تحت عنوان “أدوية تتحرّر من الدعم وتفسح المجال أمام المهرّبة لتباع بأغلى الأسعار” كتب خالد أبو شقرا في نداء الوطن:
رضخ اللبنانيون لزيادة أسعار الأدوية بأكثر من 25 ضعفاً، على أمل توفّرها، ولم ترضَ السلطة بانجاز خطة دوائية عادلة. أشهر عدة مضت على رفع الدعم عن أغلبية الاصناف، وما زال الكثير من الادوية المدعومة وغير المدعومة مفقودة. أما عن الوعود بتعزيز مراكز الرعاية الاولية والمستوصفات، ودعمها بالعلاجات لمعدومي الحال فـ”ذهبت أدراج الرياح”.
إفتتح وزير الصحة العامة حمد حسن في تموز 2021، خطة ترشيد الدعم على الدواء إبّان حكومة الرئيس حسان دياب المستقيلة. ومن ثم استتبع الوزير فراس الابيض الاجراءات على مرحلتين: الاولى مباشرة بعد استلامه الوزارة في تشرين الثاني 2021، والثانية قبل الانتخابات النيابية في أيار 2022. وهكذا تراجع الدعم على استيراد الادوية والمستلزمات الطبية، وحليب الاطفال من حدود 1.2 مليار دولار في السنة، إلى 420 مليون دولار. وقد جرى تقسيمها على دفعات شهرية بقيمة 35 مليون دولار، 10 ملايين لاستيراد المستلزمات الطبية الاساسية مثل أدوات علاج الكلى، ودعامات القلب وحليب الاطفال، و25 مليوناً لأدوية الامراض المستعصية والسرطانية. تُؤمن حالياً مما حصل عليه لبنان من حقوق السحب الخاصة SDR من صندوق النقد الدولي.
أدوية غير مدعومة مفقودة
على الرغم من حصر الدعم بأصناف من أدوية الامراض المستعصية والسرطانية سواء كانت صناعة محلية أو مستوردة، فان هذه الادوية غير موجودة. في حين يتوفر عنها البديل غير المدعوم بأسعار كبيرة جداً. ذلك أن وزارة الصحة قد أبقت على صنفين من الأدوية المدعومة لكل علاج فقط. وإذا كان مفهوماً، إنما على الأكيد غير مبرر، فقدان الادوية المدعومة، فمن غير المفهوم غياب الادوية غير المدعومة، ولا سيما تلك التي لا بدائل لها. وعلى سبيل الذكر لا الحصر، “لا يوجد في كل لبنان علاجات الربو وبخاخات الحساسية. مع العلم أننا دخلنا موسم الانفلونزا”، تقول الدكتورة الصيدلانية منار موسى سليم، و”هي غير متوفرة في الشركات الاساسية المستوردة لها مثل “ميرساكو” و”أبيلا”. وحتى بخاخ “الفانتولين” يصل إلى لبنان من تركيا”. وبحسب سليم فان “الانقطاع لا يقتصر على هذه الادوية إنما يطال أيضاً أدوية السكري التي لا بديل لها مثل forxiga”.
الفواتير العالقة
مما لا شك فيه أن “الادوية التي رُفع عنها الدعم أصبحت تتوافر بشكل أكبر”، يقول نقيب الصيادلة د. جو سلوم. إلا أنه في المقابل لا تزال هناك مشكلة مع الشركات الاجنبية المورّدة لعدة أصناف من الادوية. وذلك نتيجة عدم تسديد الشركات المحلية فواتير عالقة في “المركزي” تعود إلى فترة الدعم، وتقدر قيمتها بحدود 400 مليون دولار. أما المشكلة الحقيقية فتتمثل بـ”فقدان الادوية المدعومة كلياً أو جزئياً، بسبب عدم كفاية المخصصات المفتوحة لها والتي لا تكفي لاكثر من 50 في المئة من مرضى السرطان، فيما تقل النسبة أكثر بكثير بالنسبة لادوية الامراض المزمنة”، يضيف سلوم، و”هو ما يدفعنا إلى الاعتماد بشكل كبير جداً على الادوية المصنعة محلياً، والتي أصبحت تستحوذ على حوالى 50 إلى 60 في المئة من حجم سوق الادوية في لبنان. إلا انه في المقابل فان “الصناعة الدوائية اللبنانية، التي توسعت كمّاً ونوعاً، منذ انفجار الازمة، لا زالت تحتاج إلى دعم أكبر للمواد الاولية من أجل تنويع الاصناف وزيادة الكميات المنتجة”، بحسب سلوم، “كما أنها بحاجة إلى خطة كاملة متكاملة وسياسة دوائية”.
إضافة إلى الفواتير العالقة فإن شركات ادوية كبيرة عديدة خففت تمثيلها في لبنان، أو حتى أقفلت كلياً، معتمدة فقط على وكيلٍ محلي. وهذا ما حصل مثلاً مع الشركة المعنية ببخاخ “فانتولين” Ventolin. فهذه الشركة العالمية الكبيرة فضلت تسريح موظفيها والاقفال مع تجذر الازمتين الاقتصادية والنقدية، وعدم إيجاد حل للاموال العالقة في المصرف المركزي.
الأسواق مليئة بالأدوية المهربة والمزورة
نقمة فقدان الأدوية التي رفع عنها الدعم، تدفع الكثير من “تجار” الدواء غير المرخصين إلى استقدامها من دول الجوار، وتحديداً من تركيا. وعدا عن كون هذه العملية تكلف المرضى مبالغ مالية هائلة، فـ”هي مرشحة لان تكبر ككرة الثلج، وتتوسع أكثر لتساهم بادخال الادوية المزورة إلى جانب الادوية السليمة المهربة”، بحسب نقيب الادوية كريم جبارة، و”ذلك على غرار ما حصل مع الكثير من علاجات السرطان المفقودة، والمرتفعة الثمن. حيث لم يلبث المهربون أن لجأوا إلى إدخال أدوية مزورة يمكن تمييزها بالعين المجردة. الامر الذي دفع الكثير من المستشفيات إلى منع المرضى من إدخالها في علاجاتهم لديها”.
الدواء المهرب
يجزم المعنيون في القطاع الصحي أن الدواء غير النظامي، أصبح يشكل نسبة كبيرة جداً في سوق الادوية اللبنانية. هذا إن لم يكن أكبر. وخطورة هذه الادوية المهربة لا تنحصر في كونها لا تنفع في الكثير من الاحيان، إنما في تسببها بقتل المرضى في أحيان أخرى، واعدام الاقتصاد دائماً. وبحسب جبارة فهذه “الادوية غير مضمونة الجودة، وغير مراقبة، ولا يوضع عليها السعر العادل الذي تحدده وزارة الصحة، وهي لا تسدد الضرائب للمالية وتسودها شوائب كثيرة”. وبرأيه فإن هناك حلين لا ثالث لهما:
– إما تأمين التمويل الكافي للدعم لاستيراد الادوية التي ما زالت مدعومة بشكل كلي أو جزئي.
– إما السماح باستيراد الادوية من الخارج تحت رقابة وزارة الصحة لكي تكون مراقبة وخاضعة للفحوصات الضرورية ومسعّرة بشكل مناسب. ساعتذاك نجد الطريقة الملائمة لكي يستطيع المريض تحمل الكلفة.
نحو 2000 دواء أو حتى أقل ما زال لغاية اللحظة مدعوماً بشكل كلي أو جزئي. ومن المتوقع أن يبدأ ترشيد الدعم عليها بوقت ليس ببعيد. إلا أنه لحينها يكون المهربون ركّبوا شبكاتهم وعززوها، ويصبح “من شبه المستحيل اجتثاثها”، برأي جبارة، “ولعل ما حصل في العراق خير مثال على ذلك”.