بعد 4 سنوات، قرر الإرهابي الموقوف نعيم عباس التحدّث أمام المحكمة العسكرية الدائمة، برئاسة العميد حسين عبدالله، عن تفاصيل الجرائم الإرهابية التي ارتكبها على الأراضي اللبنانية، موضحاً أنه لم يكن يمتنع عن الحديث خوفاً من حبل المشنقة، التي قال أنها ليست عاراً، بل بسبب طلبه الإنتقال من سجن الريحانية إلى مكان آخر، مشيراً إلى أن ظروف الإعتقال في هذا السجن “تخرج أسودا”.
تدربت لدى “حزب الله”
في بداية جلسة المحاكمة، بدأ عباس الحديث عن إنتمائه إلى حركة “فتح” وجبهة “النضال الوطني” في العام 1986، بعد أن حرص على القاء التحية على الحاضرين، قبل أن ينتقل في العام 1993 إلى صفوف حركة “الجهاد الإسلامي” مع محمد جمعة، كاشفاً أنه في العام 1997 تم ارساله، من جانب الحركة الأخيرة، إلى “حزب الله”، حيث خضع لدورة على حماية الشخصيات، وكان من المقرر أن يكون من مرافقي أمينها العام رمضان شلح.
وأشار إلى أنه في العام 1993 خرج إلى جانب مجموعة من عين الحلوة للقتال إلى جانب “حزب الله” ضد الجيش الإسرائيلي، وفي العام 1990، خلال المعارك بين “حركة أمل” و”حزب الله” في كفرملكي، شارك في القتال إلى جانب الحزب من ضمن مجموعة تنتمي إلى حركة “فتح”، لافتاً إلى أنه واكب الإنسحاب الإسرائيلي من لبنان، في العام 2000، خطوة بخطوة.
وأوضح عباس أنه بعد العام 2002 قام باطلاق صواريخ من نوع 107 باتجاه مستعمرة كريات شمونة، مشيراً إلى أن هذا الأمر تم بتمويل ذاتي لأن “الجهاد” لم تكن تريد القيام بأي عمل لعدم إغضاب “حزب الله” أو الدولة اللبنانية، قائلاً: “كنت أقوم بذلك نصرة لأهل فلسطين”.
الإنتقال إلى العراق
بعد ذلك، أشار عباس إلى أنه في العام 2005 تلقى إتصالاً من صلاح القبلاوي يطلب فيه منه الإنتقال إلى العراق، بعد أن كان الأخير قد انتقل إلى هناك في العام 2004، لافتاً إلى أنه هناك طُلب منه من قبل تنظيم “القاعدة” القيام بعمليات ضد الإسرائيليين إنطلاقاً من جنوب لبنان، كاشفاً أنه لم يتلقّ أي تدريب هناك بل ساعدهم في التدريبات، وقد تم تزويده بتكاليف العمل المطلوب منه.
وأوضح أنه بعد عودته إلى لبنان اجتمع مع المطلوب توفيق طه، مشيراً إلى أن الأخير كان على علم بما ينوي القيام به، كاشفاً أن القبلاوي طلب من طه أيضاً الذهاب إلى العراق، إلا أنه إنتقال إلى سوريا حيث اجتمع مع حسن نبعة، الذي طلب منه القيام بأعمال في لبنان ضد الإسرائيليين، مضيفاً: “قبل العام 2005 كنا موجودين وكان الجهاد الإسلامي بمثابة الغطاء لنا”.
وتحدّث عباس أنه في العام 2006 أطلق مع آخرين صواريخ باتجاه مستعمرتي كريات شمونة وشلومي، لافتاً إلى أنه تعرض لعدة محاولات إغتيال من قبل الموساد الإسرائيلي، حيث تم تكليف محمد عوض القيام بالأمر في العام 2008.
التخطيط لمهاجمة مستعمرة
على صعيد متصل، أكد أنه لم يبايع “كتائب عبد الله عزام”، كاشفاً أنه كان مبايعاً لتنظيم “القاعدة”، و”هذا شرف كبير لي”، في حين أن “الكتائب” كانت تطمح إلى مبايعة “القاعدة”، لافتاً إلى أن زعيم “عبدالله عزام” ماجد الماجد كان قد هرب من السعودية إلى اليمن ومن ثم إلى لبنان، حيث كان بضيافة “عصبة الأنصار”، وبعد ذلك تم التواصل مع توفيق طه وكان الإتفاق بينهما على العمل ضد الإسرائيليين إنطلاقاً من جنوب لبنان، ومن ثم مبايعة “القاعدة”، موضحاً أن التمويل كان من قبل بعض المشايخ في السعودية.
في الإطار نفسه، أوضح عباس أنه بعد العام 2010 لم يعد يعتبر إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل عملاً مجدياً، وكان يفكر في مهاجمة مستوطنة إسرائيلية إنطلاقاً من جنوب لبنان، لكنه أشار إلى أن توفيق طه كان يماطل بالعمل.
ورداً على سؤال حول ما إذا كانت “القاعدة” طلبت منه ذلك، أشار إلى أن زعيم التنظيم الراحل أسامة بن لادن كان يقول إن قتال الأميركيين والإسرائيليين لا يحتاج إلى تكليف.
الصواريخ على الضاحية
بعد العام 2011 حصل تحول في توجهات عباس، الذي يقول أنه مع بداية “الثورة” السورية وجد فرصته، كاشفاً أنه في العام 2012 ذهب إلى سوريا، بعد لقاء عقده مع القيادي في “كتائب عبدالله عزام” سراج الدين زريقات، لافتاً إلى أن وجهته كانت وادي بردى، حيث شارك في تدريب مجموعات مختلفة تنتمي إلى “الجيش السوري الحر” و”جيش الإسلام” وحركة “أحرار الشام”، موضحاً أن مدة التدريب كانت 3 أشهر، وكان ماجد الماجد يريد منه البقاء في سوريا، حيث كان هناك توجهاً لقصف القصر الجمهوري في دمشق، لكنه عاد إلى لبنان بسبب عدم القيام بهذا الأمر.
وقبل أن ينتقل إلى الحديث عن كيفية إطلاق الصواريخ باتجاه الضاحية الجنوبيّة، أشار عباس إلى أنه كان يتمنى لو أن “حزب الله” لم يتدخل في الأحداث السورية، لافتاً إلى أنه لدى عودته بدأ العمل مع أحمد طه المقيم في منطقة حارة حريك، الذي كان من المتحمسين لضرب “حزب الله”، قائلاً: “أحمد طه كان لديه الصواريخ لأنه تاجر سلاح”.
وأوضح أنه تم الإتفاق على إطلاق 3 صواريخ باتجاه الضاحية الجنوبية، بغرض ضرب الأمانة العامة لـ”حزب الله”، مشيراً إلى أنه وجد المنطقة المناسبة في بلدة عيتات، كاشفاً أن طه كان يريد أن يطلق الصواريخ بنفسه، لافتاً إلى أن سقوط الصواريخ في الشياح سببه رفعهم درجة من قبل طه، قائلاً: “هذه كانت الرسالة الأولى إلى حزب الله لردعه لكنه لم يفهمها”.
التفجيرات الإرهابية
وكشف عباس أنه بعد ذلك ذهب أحمد طه إلى سوريا، ومن ثم طلب منه الإنتقال إلى سوريا أيضاً، في حين كانت ممارسات “حزب الله” قد زادت، وأمينه العام السيد حسن نصرالله أعلن أنه سيذهب إلى سوريا بحال تطلبت الظروف ذلك، قائلاً: “كانت الفكرة أن نأتي نحن وكان تفجير بئر العبد الأول”.
وتحدث عباس عن هذا التفجير، مشيراً إلى أن طه هو من أمّن المواد المتفجرة، في حين تم سلب السيارة التي استخدمت في العملية وجرى تجهيزها في الليلة نفسها بـ150 كيلوغرام من المتفجرات، وهو من قام بنقلها إلى المكان المحدد، وتم التفجير عن طريق إستخدام ساعة توقيت، قائلاً: “بعد أن تركتها في المكان المحدد ذهبت إلى حسين زهران في طريق الجديدة”، موضحاً أن تفجير الرويس لم يشارك فيه لأن السيارة كانت مجهزة والمنفذ سوري الجنسيّة، بينما المسؤول عنها كان محمد الأحمد وحسين زهران وسعيد البحري، ولا يعرف من أين جاءت.
في شهر 12 من العام 2012، استأجر عباس شقة في شارع عفيف الطيبي في طريق الجديدة، وتواصل مع أحمد طه الذي كان قد بايع تنظيم “داعش”، وأبلغه بوجود شخص يدعى “أبو هريرة” يريد القيام بعمل في لبنان، وطلب منه التواصل معه، كاشفاً أنه اتصل بأهله لكنه لم يكن موجوداً في المنزل، وكان من المفترض أن يستلم “أبو هريرة” سيارة جيب شيروكي مفخخة، كانت في الطريق إليه بالقرب من جامع الخاشقجي، إلا أنه لم يكن يعلم بذلك.
وأوضح أن “أبو هريرة” جاء إليه وأخذ منه هاتفا كي يبقى على إتصال معه في حال تبدل مكان تسليم السيارة، لكن حصل ما حصل من إشتباك معه على حاجز الأولي عند مدخل مدينة صيدا.
وأشار عباس أنه بعد ذلك استمر بالتواصل مع أحمد طه بينما كانت جبهة “النصرة” قد قررت العمل في لبنان، لافتاً إلى أن السيارة المفخّخة الأولى كانت سيارة الشيروكي، التي بقيت في موقف للسيارات في محلة أرض جلول 5 أيام، قائلاً: “جهزت أوراقاً لها تحمل اسم الهوية التي استخدمها، ومن ثم سلمتها إلى قتيبة الصاطم”، كاشفاً أن الهدف كان الأمانة العامة لـ”حزب الله” في حارة حريك.
واوضح أن السيارة الثانية التي فجرت في حارة حريك أيضاً استلمها في خلدة، مشيراً إلى أنه عمل بالإجراءات نفسها التي قام بها في التفجير الأول، لافتاً إلى أن إختيار المكان يعود إلى أن المنطقة تعتبر “خزاناً” لـ”حزب الله”.
وتحدّث عباس عن سبب إستهداف الحزب الّذي يعود إلى أن الأخير “ضيّع” مقاومته بالقتال إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد الذي يقتل شعبه، قائلاً: “انحرفت بندقيتي عندما انحرفت بندقية حزب الله”.
بالنسبة إلى عملية توقيفه والسيارة التي ضبطت معه، أشار إلى أن “النصرة” كانت قد أرسلت شخصا أطلقت عليه اسم “فادي”، استقبل السيارة التي ضبطت معه، لافتاً إلى أنه في الوقت نفسه كان يعمل مع تنظيم “داعش” الذي أرسل له شاباً للعمل معه وتفاجأ بصغر سنه، في حين هو كان قد طلب من أحمد طه أن يكون شخصاً كفوءاً، نافياً أن يكون له أي علاقة في التفجيرات التي حصلت في الهرمل، لأنه كان يعتبر أن مركز ثقل “حزب الله” في الضاحية الجنوبية، قائلاً: “حرصي على الشباب الذين كانوا معي هو الذي أدى إلى توقيفي”.
وفيما يتعلق بالإنتحاري الذي فجّر نفسه في منطقة الشويفات، أوضح أنه بعد تفجير حارة حريك الأخير، أرسلت “النصرة” إنتحاري الشويفات إليه، على أساس أن يكون إنغماسيا ينفذ عملية ضد مبنى قناة “المنار”، وهنا قال عباس الذي يتميز بشخصية فكاهيّة “انشالله ما يكون في حدا من المنار هون”، كاشفاً أنه عمل على تجهيزه في مستودع الأسلحة العائد له في منطقة وادي الزينة، وطلب منه أن يتنكر بشخصية جامع “خردة”، نظراً إلى أن هناك حاوية نفايات قرب مبنى القناة، على أن يسحب سلاحه من “الكيس” الذي يحمله بيده ويشتبك مع حراس المبنى.
وأشار إلى أنه طلب منه أن يستقل سيارة تاكسي تنقله إلى المكان المحدد، إلا أنه إختار سيارة من نوع مرسيدس “غوّاصة”، ولدى ركوبه بها وضع “الكيس” على المقعد الخلفي، بينما المطلوب منه كان أن يضعه في صندوقها، مضيفاً: “بعد ذلك اختلف مع سائق السيارة الذي هرب ولا أعرف ما حصل بعد ذلك”.
وقبل أن تقرر هيئة المحكمة تأجيل الجلسة في هذا الملف إلى 6 آذار 2018، وفي ملفات أخرى إلى 10 نيسان 2018، قال عباس: “حزب الله هو من أحوجنا إلى هذه الأعمال بعد دخوله إلى سوريا”، معتبراً أن “سقوط الأبرياء أمر طبيعي لأنها الحرب”.
المصدر : النشرة