وداد طه.. كاتبة وروائية فلسطينية، من بلدة ميعار قضاء عكا، تستقي حبرها ومادتها من الوجع الفلسطيني، عالمها البسطاء الذين يكابدون المعاناة يومياً،أبطال أعمالها يحملون وطنهم فلسطين في قلوبهم ووجدانهم، متفائلة بحياة أفضل رغم كل الشوك ، عاشقة للأدب العربي، وغارقة في بحوره ، شغفت به أكثر خلال متابعتها لدراستها الجامعية، حوّلت مأساة اللجوء إلى فرح، لها ثلاث روايات منشورة، كان آخرها “حرير مريم”، التي تحاول من خلالها، المزج بين التأريخ والتوثيق، والحكايات الشخصية، المستعادة على هامش النكبة الفلسطينية.
وفي هذا السياق، قالت طه لـ”وكالة القدس للأنباء” : “حين فكرت في كتابة حكاية تجمع في تفاصيلها، مسيرة الشعب الفلسطيني، من شتاته الأول عام 1948، مرورًا بمجازر تلّ الزّعتر، إلى شتاتنا في العالم وحتّى اليوم، تزامن ذلك طبعاً مع الثورات الشعبية في العالم العربي، والتي عرفت بالربيع العربي، استحوذت على تفكيري صورة، صورة امرأة تجلس خلف شباك، وترى هذا الرّاهن من عليائها. امرأة تعرف كلّ شيء، عن الماضي وعن الحاضر والمستقبل. لكنني لم أكن أريد الاكتفاء بقدرات ماورائية أو غيبية وروحية فقط، فاستعنت باسم مريم، ليحمل تلك القداسة والبعد الطهريّ، ولكي يحمل طعم المرارة، أو معناها ضمنًا في لفظه، لكنّني جعلتها خيّاطة، كي تستطيع أن تنسج الحكاية، وتخيط الآتي بحذاقة وصبرسيدة فلسطينية “.
وأضافت: “مريم هي كل سيدة فلسطينية، كل امرأة وجدّة، وأخت وجارة، وطفلة وأم، خياطة مهمشة، تحكي قصة ضياعها وأولادها، كما كانت تفعل جدّاتنا، وكما تفعل الجدّات في كل أنحاء العالم…مريم امرأة عاديّة لكنّها رمز لامتدادنا في لحم البشريّة، وتوحدنا مع قضاياها المحقّة، هي قداسة حقنا، ووعدنا بفلسطين، وهي أم المنتظر الذي سيخلص العالم من آثامه”.
وعن علاقتها بالقصة رأت طه أنه : “لطالما أحببت القصص، وقرأتها بشغف، وحين بدأت أكتب، بدأت بكتابة القصة القصيرة، ومازلت أشعر أنّني أقدر على التعبير عن هواجسي من خلالها، لكنّني حين تألّمت كثيرًا، وفاض عني حزني، أو قدرتي على الاحتمال، كتبت رواية، ساعدتني على البوح الحر، التّخفّي والمراوغة
والتخيل، والإضافة والحذف… يمكنني القول إنّ الكتابة ساعدتني على احتمال الواقع لا الهروب، وأعطتني القوّة على السيطرة عليه، وتسييره كما أشاء، منحتني حريّة العبث بما أريد ومن أريد، وتمكنت من خلال الرّواية أن أرتق نسيج ذاتي، وأن أعبّر عن رؤيتي إلى هذا العالم، ورفضي للكثير فيه.”
وقالت: “صدرت “ليمونةان” عملي الرّوائي الأول، سنة 2013، لكنها لم تكن وليدة لحظتها، أعني أنّني كنت قد كتبتها بصيغتها الأولى، قبل ذلك بكثير، يمكن كنوع من التّعافي أو التّطهير، ونشرتها حين تمكنت من ذلك، وبصدفة ومن دون سابق تصميم، أو قرار على احتراف الكتابة الرّوائية”، مبينة أن “دراستي الأكاديمية تمكنني من الاطلاع ومواصلة القراءة، لكنّها لا تمنحني الحكاية الضرورية للعمل الرّوائي، ولا تعيرني الشخّصية التي أنشدها، كي أكتب وأحقق من خلالها رؤيتي، بل لربما هي سبب في تأخير الكثير من الأعمال، التي أرغب في التفرغ لكتابتها، وقد تكون مزعجة، لأنها أحيانًا تحرمني لغة الحكي البسيط، لأنّ اللغة الأكاديمية مزدحمة بالإديولوجيا والمصطلحات العلمية، وأنا أنشد عالم البسطاء، وأود أن أعبر عنهم في ما أكتب”.
وعن “حرير مريم” قالت: إن “رواية “حرير مريم” تقف مطوّلاً عند مجزرة تل الزّعتر، ولا تقف عندها، بل ترحل مع الفلسطيني أينما رحل، في شتاته الطويل والمزمن، وهي توثق لتلك الأحداث، وتخلق أحداثًاً مأساوية أخرى، لا يقبلها إنسان لأي ثقافة انتمى، لا أدعي أنني نجحت في نقل معاناة الفلسطيني، لكنني حاولت أن أحكي عن العاديين منا، فحين تخسر مريم أبناءها، وترحلهم إلى أوروبا، ثم يموتون واحدًا واحدًا، وتضيع ابنتها وتتزوج من أخيها، وأخيرًا يجتمعون في قبر واحد، بهذه الصورة القاسية وغير المقبولة عرفًا ودينًا وقيماً، وددت أن أدوّن تلك المعاناة لكثيرين، انتهكت كراماتهم لأنهم فلسطينيون…ذلك شيء لم أكن أستطيع فهمه: فلماذا نقتل ونموت ونشرد وتهمتنا وطن؟”.
وأضافت: “غسان كنفاني، روحه الصافية علمتني ألا أكون مثل أحد، محمود درويش، تعلمت منه رقة الحنين إلى فلسطين، ناجي العلي قدوتي في الحرية والمقاومة بالفن، جبران أحبه وإدوارد سعيد، قرأت لمعظم كتابنا الرائعين، ولا يسعني إلا أن أختصر، فاللائحة تطول.” مشيرة إلى أنه “لكل عمل روائي روح وفكرة ورؤيا، في “ليمونةان” أردت الثورة على واقع الارتهان، إلى وكالة “الأونروا” كحل وحيد، في وجه الشباب الفلسطيني الطموح، وفي “وأخون نفسي” كنت صوت الرجل حين يخونه الحب، والمرأة حين يخونها حبيبها، أو فالأقل الإنسان حين يخان، فلا يفعل إلا أن يخون نفسه ويسحقها، أما “حرير مريم” فهي
حكاية امرأة عادية صارت بحجم وطن، لأنها خسرت أولادها في حرب لم ترد أن تخوضها”.
وفي نهاية حديثها، شددت الكاتبة طه على أن “المرأة وطن”، مريم الخياطة هي التي تنسج الآتي كما نشتهيه كفلسطينيين..آت أجمل وأكثر إنسانية. أعتقد أنني أقدر على التعبير عن فكر المرأة وشعورها، مني على تمثل الرجل، لذلك فإنني حاولت من خلال بطلات رواياتي، أن أحكي قصص نساء، فذلك لأنني أرنو إلى ذاتي كامرأة، وأتقصى تفاصيلها وأنطلق منها، وهناك وسط الروح وفي صميم القلب وطن، وبذلك فأنا وطني ووطني أنا، وبذلك وبعفوية شديدة ، لم أسع إليها بوعي لا أدعيه، صدرت كتاباتي عن نساء مرتبطات بالوطن…فلسطين والإنسان”.
المصدر : وكالة القدس للأنباء