لم يكد الناس ينسون أو يتناسون فيروس “كورونا”، حتى ظهرت فيروسات وأمراض جديدة – قديمة، أدخلت القلق إلى نفوس الكثيرين، ومنها مرض “التهاب الفيروس الكبدي-A”، الذي ظهر في شمال لبنان مؤخرًا وأثار موجة من الهلع.
وعلى الرغم من أن الناس أغفلت تناول اللقاح لهذا الفيروس منذ سنوات نظرًا لعدم خطورته، إلا أن الإصابات التي ظهرت أنعشت الذاكرة، وأعادت البعض إلى الأيام الأولى لانتشار فيروس “كوفيد-19″، فماذا يقول أهل الاختصاص والمعنيون في وزارة الصحة عن مستجدات هذا الفيروس؟
كيف ينتقل الفيروس؟
تلفت أخصائية الأمراض الجرثومية، الدكتورة ندى شمس الدين، في حديث إلى موقع “العهد الإخباري” إلى أن التهاب الكبد الفيروسي تتفرع منه عدة أنواع، وكل نوع مختلف عن الآخر، وينتقل بطريقة مختلفة وله مسار مرضيّ مُغاير وتبعات مختلفة، وأن الفيروس المنتشر في بعض مناطق لبنان حاليًا هو من النوع “Hepatite-A”، وهذا النوع ينتقل بطرق عدة ودائمًا عبر الفم، إمّا بتناول أو شرب أشياء ملوثة تسبب هذا الفيروس.
الدكتورة شمس الدين تنوّه إلى أنه سبق ومرّ على لبنان حالات مشابهة، منها في جبيل قبل عدة سنوات، عبر بئر مياه ملوثة، وفاقت الإصابات حينها 100 حالة، كذلك في بعلبك منذ 5 سنوات تقريبًا بسبب المياه الملوثة.
وككل الفيروسات لدى هذا الفيروس فترة حضانة، تمتد إلى أسبوعين، تبدأ بعدها الأعراض السريرية، منها الحرارة والإسهال، ويخرج الفيروس بعدها بالإسهال، ليلوّث من جديد المياه، ويبقى بهذا الشكل كمصدر عدوى إن لم يُعالج.
وتُطمئن شمس الدين إلى أن “Hepatite-A” يؤدي إلى التهاب جزئي في الكبد، ونادرًا ما يوصل إلى التهاب كلّي وفشل كبدي، والحالات بالإجمال تُشفى ويتعافى بعدها الكبد نهائيًا، لكن بعض الحالات النادرة قد توصل إلى الفشل الكبدي، وتصبح نسبة الوفاة مرتفعة جدًا إن لم ننتقل إلى زراعة وتغيير الكبد.
الأعراض السريرية بحسب شمس الدين تتلخص بارتفاع في الحرارة، وهن، ألم في العضلات، وأحيانًا تبدأ كزكام عادي ويليها لاحقًا إسهال وتقيؤ وألم في المعدة، وطبعًا الصفيرة، وهي اليرقان، لأنها تؤدي إلى اللون الأصفر الذي يظهر على جلد المريض ووجهه وعينيه والأغشية المخاطية، وهذا يدلّ على تكسّر في خلايا الكبد وخروج للمادة الصفراء إلى الدم (في حين أنه ينبغي أن تبقى هذه المادة داخل الخلايا). وهذه الحالة المرضية قد تمتد من أسبوع إلى عشرة أيام وصولًا إلى شهر، وأي إفرازات لدى المريض تكون مُعدية في هذه الفترة وتحوي الفيروس، وبالتالي تجب الوقاية أكثر شيء في المرحاض، وهنا تبرز ضرورة التعقيم من قبل المريض والقاطنين معه في المنزل.
وبخصوص العلاجات، تُبيّن شمس الدين أن ليس هناك مضاد فيروسي للصفيرة A، لكن العلاجات يجب أن تكون سريعة لناحية تعويض المريض ما خسره من أملاح وسوائل، وأن يأخذ تغذية مناسبة لالتهاب الكبد، وهكذا تتركز الفترة العلاجية، كما أن هناك لقاحا يعطى بعمر الطفولة، لتجنّب حصول الإصابة، وإن حصلت الإصابة تكون سريعة جدًا وبأعراض خفيفة جدًا.
أخصائية الأمراض الجرثومية تشير إلى أنه في كل الإصابات الفيروسية والجرثومية، هناك مجموعة من الناس يُسمّون “منخفضي المناعة”، وهي فئة كبيرة جدًا، منهم المرأة الحامل، والأطفال، والرضع والمسنون فوق 60 سنة، من يعانون من السكري، ومن يأخذون الكورتيزون، ومن لديهم أمراض كلى أو رئة أو كبد مزمنة، وهؤلاء إصابتهم تكون أعراضها أقسى.
وتنصح الدكتورة شمس الدين الناس بأن يتأكدوا من مصادر الطعام والشراب التي يتناولونها، ولا سيما “الديلفري”، إذ قد لا يحصل المرء على المعايير المطلوبة لنظافة وصحية الطعام، وقد تكون هناك مشكلة لا علاقة للناس بها مثل مياه الريّ الملوثة، عندها تكون المسؤولية على مستوى أعلى مثل البلديات والوزارات المعنية، وهنا يلعب الناس دورًا أكثر بمطالبة المعنيين بحل هكذا مشكلة، كما أن المياه إذا كانت من مصدر عام وتستخدم للخدمة، فلا شك أنها تلعب دورًا كبيرًا في التلوث، وقد لا يكون المواطن قادرًا على السيطرة عليها، وهنا يلجأ لحلول بديلة للحفاظ على نظافة المياه مثل تركيب “فلتر” في المنزل للتخفيف قدر الإمكان من احتمال استخدامه لمياه ملوثة.
د.جوزيف الحلو يرفع شعار: وقاية حماية نظافة
رئيس قسم الوقاية الصحية في وزارة الصحة اللبنانية الدكتور جوزف الحلو، يطمئن في حديث لموقع “العهد” الإخباري إلى أن الفحوصات الحالية التي تقوم بها وزارة الصحة بالتعاون مع مصلحة المياه في الشمال للمنطقة التي ينتشر فيها المرض حاليًا تشير إلى أن المياه نظيفة، لكن قد يكون التلوث حصل سابقا، وكما أشار السكان، فقد لاحظوا تغيرًا في لون المياه وطعمها أوائل شهر أيار الماضي، وبعد هذه الفترة استخدمت الأدوية المناسبة للمياه المستخدمة.
ويلفت الحلو إلى أنه بحسب الزيارة الميدانية للأحياء الفقيرة في الشمال، فقد رصدت الوزارة 177 حالة، غالبيتها لم تحتج إلى المستشفى، كما أن رئيس مصلحة الصحة في الشمال يقوم بجولات دورية على مراكز الرعاية الصحية الأولية التابعة للوزارة في المنطقة، وعلى مراكز “اليونيسف”.
ويشدد الحلو على أهمية الوقاية، وعلى ضرورة توعية وشرح هذه السبل للمواطنين، لا سيما في المناطق الفقيرة، وهي ما يحد من الإصابات كثيرًا.
وإذ يشير الحلو إلى أن الإصابات لا زالت محصورة في منطقة طرابلس، يعتبر أن المرض وصل لمرحلة الذروة وستبدأ الإصابات بالتضاؤل، منوهًا إلى أنه في بعض المنازل شرب المقيمون من نفس المياه، ومنهم من أصيب ومنهم من لم يظهر عليه أي عوارض.
ويلفت إلى أن اللقاح لهذا النوع من الأمراض لم يكن إجباريًا، سواء في لبنان أو في مختلف بلدان العالم، نظرًا لعدم خطورته، وأن هذا اللقاح غير متوفر حاليًا في لبنان لأن أحدًا لم يكن يأخذه.
ولدى سؤاله إن كانت وزارة الصحة ستقوم بإجراءات معيّنة، يجيب الحلو أن الأمر بعهدة وزير الصحة عندما يعود من السفر، وقد تأخذ الوزارة والحكومة إجراءات إن اضطر الأمر، من قبيل تأمين اللقاح أو القيام بحملة تعطيم في المكان الذي ينتشر فيه المرض.
كما يشدد الحلو على ضرورة ألّا تكون فقط وزارة الصحة في الواجهة، لأن الأمر بحاجة إلى تعاون من وزارة الطاقة والمياه ووزارة الأشغال ووزارة الداخلية ووزارة الزراعة، كلهم متكاتفين، بأن يسيروا بخارطة طريق واحدة.
ويختم بنصيحة للمواطنين بأن الوقاية هي الأهم، وأن يأخذوا إجراءات في المحافظة على النظافة والحجر كما كانت عليه الأمور في بداية انتشار فيروس كورونا، مرددًا عبارة “وقاية، حماية، نظافة”.