بعد نحو ثلاثة أسابيع تبدأ الامتحانات الرسمية لطلاب الشهادتين المتوسطة والثانوية، في وقت لم يتعلم طلاب المدارس الرسمية للسنة الثالثة على التوالي. ورغم ذلك، ستجري الامتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة يومي السبت والاثنين في 25 و27 حزيران، والامتحانات لشهادة الثانوي أيام الأربعاء والخميس والسبت في 29 و30 حزيران و2 تموز.
عام ثالث بلا علم
تأتي هذه الامتحانات بعدما أمضى طلاب لبنان، وتحديداً القطاع الرسمي، عامهم الثالث بلا علم يذكر. ويذهب الطلاب للعام الثالث على التوالي إلى امتحانات رسمية شكلية، وبأسئلة مصممة لنجاح النسبة الأكبر منهم، لاجتياز المرحلة التعليمية وحسب، لا لاختبار مهاراتهم ومستوى تحصيلهم العلمي.
فمنذ تفشي وباء كورونا في العام 2020، أمضى الطلاب عامين دراسيين كارثيين. العام الأول كان بلا علم نهائياً، والثاني كان بتعليم من بعد لم يكن ناجحاً. وفيما انتظم التعليم في معظم المدارس الخاصة بالعام الدراسي الحالي، رغم إضرابات الأساتذة المتفرقة، لم ينتظم التعليم الرسمي منذ مطلع العام الدراسي بسبب إضراب الأساتذة، الذين باتت رواتبهم بلا قيمة، حيال ارتفاع سعر صرف الدولار.
والنتيجة كانت أنه في الفصل الدراسي الأول لم يتعلم الطلاب إلا نحو أربعين يوماً، عقب تمنع أساتذة التعليم الرسمي عن الحضور إلى الصفوف، خلال مرحلة التفاوض مع وزارة التربية على تحسين رواتبهم. وبعد أكثر من شهرين على انطلاق العام الدراسي تلقى الأساتذة الوعود بمساعدات اجتماعية وزيادة على بدل النقل، لكن عودتهم إلى المدارس بقيت متقطعة حتى منتصف الفصل الثاني الحالي، الذي تعلم فيه الطلاب أقل من شهر.
تسهيل الامتحانات
وزارة التربية على دراية تامة بما حل بطلاب لبنان وتحديداً القطاع الرسمي، ورغم ذلك جل ما بدر عنها هو إعادة تقليص المناهج وتسهيل الامتحانات الرسمية. ووفق مصادر في وزارة التربية، سيكون مكان الامتحانات في مراكز قريبة من سكن التلامذة، مراعاة لظروف الأهالي حيال ارتفاع أسعار المحروقات. كما ستتساهل الوزارة في طريقة طرح الأسئلة، بشكل يجعل من امتحان الشهادة المتوسطة أقرب إلى التقييم المدرسي من امتحان رسمي يسقط فيه الطالب الذي لم يكتسب المعارف المطلوبة. وستراعي أسئلة امتحانات الثانوي عدم تمكن طلاب المدارس الرسمية من التعلم إلا لنحو ستين يوماً طوال العام الدراسي، من أصل نحو 127 يوماً.
وفيما بدأت الوزارة بتجميع الأسئلة في بنك الأسئلة ليتم اختيار بعضها عشية الامتحانات، أكدت المصادر أن إجراء الامتحانات الرسمية أفضل من منح الإفادات، خصوصاً أن المستوى التعليمي تراجع كثيراً في السنوات الثلاث المنصرمة. لذا عمدت إلى التساهل في وضع الامتحانات ومقاييس التصحيح (الباريم) لنجاح أكبر نسبة من الطلاب.
تقليص المناهج
في ظل عدم تعلم الطلاب في الفصل الأول نتيجة إضراب الأساتذة وبعد سنتين دراسيتين كارثيتين، عمد المركز التربوي للإنماء والبحوث إلى تقليص المناهج في مطلع الفصل الثاني كي يتمكن الأساتذة من انهاء العام الدراسي وإجراء الامتحانات. لكن النتيجة كانت أن الطلاب تعلموا حتى أقل من المناهج المقلصة، بعد تخفيف بعض الدروس، كي يتمكن الأساتذة من إنهائها. ففي المواد غير العلمية مثل الفلسفة، تقلصت الدروس إلى محورين من أصل ثلاثة، ورغم ذلك تعلم الطلاب محوراً واحداً لاجتياز الامتحان الرسمي فحسب، بما أن الطالب يستطيع اختيار سؤال واحد للإجابة عليه، يكون حكماً من أحد المحاور.
وقد ظهر تراجع المستوى التعليمي للطلاب في المدارس الرسمية خلال امتحانات السعي، الشهر الفائت، والتي لجأ فيها الأساتذة إلى استخدام طريقة انتقاء الجواب الصح، وكانت امتحانات شكلية مثل العام المنصرم. فالمضمون الذي تعلمه الطلاب غير كافٍ كي تجرى لهم امتحانات تفصيلية بالمعنى التربوي. والأساتذة لم يعلموا الطلاب كما يجب، بعدما باتوا يشعرون أنهم يعملون بالسخرة، في ظل غلاء الأسعار وتراجع قيمة رواتبهم.
الحشو والتلقين
ويؤكد العديد من الأساتذة أن العام الدراسي الحالي لم ينتظم أصلاً منذ مطلعه، بعدما شهد إضراباً امتد حتى نهاية السنة الفائتة، جراء المفاوضات العسيرة بين ممثلي الأساتذة ووزارة التربية والحكومة، التي لجأت إلى تقديم مساعدات اجتماعية لموظفي القطاع العام. وما كادت هذه المساعدات تصل الأساتذة حتى تبخرت بفعل ارتفاع سعر صرف الدولار. وباتوا يذهبون إلى مدارسهم مرغمين على العمل، ويذهبون إليه في أيام محددة يحشرون فيها الدروس لتعليمها للطلاب بطريقة الحشو والتلقين، لا تعلماً وتعليماً. وعلى سبيل المثال، المواد غير العلمية التي يعتمد فيها الأساتذة أساليب النقاش المفتوح مع الطلاب، باتت مجرد تلقين للمعلومات وبشكل مقتضب بغية اجتياز الطالب الامتحان لا لاكتساب المهارات. فالطلاب والأساتذة باتوا محكومين بضيق الوقت، بعدما مضى العام الدراسي بإضرابات متواصلة وتعطيل فردي وجماعي لمعظم الأساتذة.