جالت “نداء الوطن” على بعض العائلات في كسروان، المتن وجبيل لتستفهم كيف تغيرت ظروف حياتهم وعن تكيفهم مع مبدأ التقشف. تعيش سناء (متزوجة من جبيل) من فتات الحد الأدنى من راتبها ان حصلت عليه من القطاع العام فتهندس حياتها وحياة أولادها وفق نمط الكهرباء التي تزورهم كضيف خفيف طيفه. التغيير هذا غيّر نمط حياتهم الى الاسوأ، رماهم ضحية البرد في الفراش الذي يحجز مكاناً جوهرياً قرب افراد عائلتها ولا يمكنها اشعال المدفأة كي لا يركض عداد الإشتراك في مولد الكهرباء، وتتخطى فاتورته الملايين، ولا تقدر على غسل ملابس الأولاد الا عندما تضيء الكهرباء الضوء الأخضر. طفلتها الصغيرة ضحية الازمة الاقتصادية أيضاً فتتقشف لها بالحليب فتستكثر الكوبين عليها بحيث تضع ملعقة حليب لكل كوب، ليس بخلاً، لكن خوفاً من سعره، الذي لا يمكن الحصول عليه بسهولة، وسعره مرتفع للغاية لكن منطق التقشف جائز بالطعام وادارته غير انه يتعذر ذلك مع الحفاضات فحتى لو اشترت ارخص نوع “بتضل ايدي ع قلبي من الحساسية”، اذ ان كلفة الدواء عالية. حوّل الغبن حياة المواطنين الى كابوس فاصبح “التعميم” أهون الشرين كأن عبارة “كل العالم هيك” تخفف من وطأة ما يحدث فيتبنج الفرد من الألم، فسناء تشعر بعدم قدرتها تدبير امرها فلا راتبها يصل عند موعده ولا راتب زوجها الموظف في شركة يكفي اكثر من طعام وفواتير، ان بقي منه شيء. تتكل على اعاشات البلدية من الحبوب التي تكفي شهراً او شهرين ليكون بذلك الأكل المعتمد الروتيني.
هذا حال معظم العائلات التي قابلناها التي أيضاً تستفيد من مساعدات برنامج الأغذية العالمية، التي تتواصل مع المواطنين، بعد ان تدرس ملفهم لتعيلهم بمونة تكفي لاشهر وقد أضيفت على المساعدات هذه أخرى مالية بقيمة 25 دولاراً. التغيّر بحياة المواطنين منذ عامين يدور حول سعر صرف الدولار مقابل الليرة على عدد الثواني ويذهب من سيئ الى أسوأ ليكون بذلك مؤشراً في سباق تطور الازمة وتداعياتها على كاهل المواطن الذي عاد الى أيام البابور، الموقدة، التي تحتاج الى حطب وحشائش لشطب الغاز من لائحة المصاريف او اقله التخفيف من الاستهلاك. هكذا نشأ فن التقشف مع ارتفاع الأسعار 30 مرة وما فوق، فميرنا (كسروان ) لا تطبخ الا على البابور، وان كانت الطبخة تحتاج الى الغاز تستعمل الطناجر المناسبة والتي لا تصرف من انفاس القارورة الثمينة أو تخفض الحرارة الى ادنى المستويات. عند سردها لهذا “الانحدار” في المستوى المعيشي، او مقومات العيش تضحك سائلة: “ليك وين صرنا بأيا عصر”.