من اللافت كان الخبر الذي ورد أمس نقلا عن السلطات الإسبانية ومفاده أن مجموعة من 39 لبنانيا كانوا مسافرين بين مصر وأميركا اللاتينية، استغلوا هبوط طائرتهم في برشلونة لطلب اللجوء في إسبانيا. وفور نزولهم من الطائرة بدأوا إجراءات طلب اللجوء واستقروا في منطقة مخصصة لتقديم الخدمات الأساسية في المطار. حصل ذلك يوم الإثنين 15 تشرين الثاني. وفي تتمة الخبر رواية عن حدث مماثل حصل في مطار بالما دي مايوركا في الخامس من تشرين الثاني الجاري حيث اوقفت شرطة الجزيرة 16 شخصا فروا من طائرة هبطت اضطراريا في مطار المدينة، وكان البحث عن 8 آخرين. وقالت الشرطة وقتذاك إنّ الطائرة التي كانت تسيّر رحلة بين المغرب وتركيا سُمح لها بالهبوط اضطراريا في بالما دي مايوركا إثر ورود بلاغ عن شعور أحد ركّابها بإعياء.
قد لا تبدو ظاهرة الهجرة غير الشرعية جديدة بعدما شاعت إثر اندلاع الحرب السوريّة في 2011 وكانت محصورة بالنازحين السوريين إلا أنها انسحبت على اللبنانيين نتيجة تدهور الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والصحية وذلك عبر قوارب الموت.
حتى اللحظة لا توجد إحصاءات رسميّة شاملة لعدد الأشخاص الذين غادروا لبنان عن طريق الهجرة غير الشرعيّة، إلا أن البيانات الصادرة عن قيادة الجيش تكشف عن عمليات توقيف مركب أو اثنين لأشخاص حاولوا الهرب من خلال “قوارب الموت” شهريا ومن جنسيات لبنانية وسورية. وكانت شهدت السنوات الماضية خمسة حوادث أدّت إلى وفاة وغرق 51 شخصًا، معظمهم من عكار وطرابلس بحسب تقرير الدوليّة للمعلومات. وتزايدت محاولات الهجرة غير النظاميّة من لبنان باتجاه دول أوروبيّة، في ظلّ أزمة صنفها البنك الدولي بواحدة من أسوأ 3 أزمات في العالم منذ أواسط القرن التاسع عشر.
وترجح المصادر اتساع ظاهرة الهجرة غير الشرعية من لبنان خلال الأشهر المقبلة، مع استمرار مسبباتها. أما وجهة المهاجرين فهي قبرص واليونان ثمّ ألمانيا أو فرنسا، اللتين اتخذتا موقفًا إيجابيًا تجاه اللاجئين، حيث يتمّ استقبالهم في مراكز معيّنة لتسوية أوضاعهم والبعض تتمّ إعادتهم.
هذا في البحر الذي يحمل روايات مأساوية عن حوادث الغرق للقوارب التي تقل مهاجرين غير شرعيين. أما في الجو فالسيناريو أكثر تشويقا. وما حصل في مطار برشلونة يؤكد أن فصلاً جديدا من روايات الهجرة بدأ يُكتب في تاريخ لبنان .
اللواء أشرف ريفي إبن البيئة الطرابلسية التي شهدت على مآسي هجرة أبنائها غير الشرعية يقول لـ”المركزية” إن هذه الظاهرة التي يشهد عليها اللبنانيون تشكل سابقة في تاريخه وليس مستغربا أن نشهد على ظواهر مماثلة بسبب حالات اليأس التي تجتاح اللبنانيين وهم ما عادوا يسألون عن المخاطر التي ستواجههم في حالات الهجرة غير الشرعية في موازاة حياة الذل والجحيم التي يعيشونها يوميا في ظل هذه المنظومة الحاكمة”.
حتى اللحظة لم يعرف مصير الـ39 شخصا الذين لجأوا إلى منطقة متخصصة بالحالات الإنسانية في مطار برشلونة ولا حتى مصير الأشخاص الذين تم توقيفهم في مطار بالما دي مايوركا أو الفارين منهم. وباستثناء ما ذكرته سفيرة لبنان في إسبانيا هالا كيروز لجهة رفض السلطات الإسبانية تزويد السفارة معلومات عنهم باعتبارهم هاربين من بلدهم يبقى السؤال هل يكون مصير الهاربين العودة إلى جهنم أم الحصول على اللجوء السياسي؟
ريفي يوضح أن لا يوجد قانون عام وموحد يفرض على الدول منح اللجوء للأفراد الفارين من دولهم بطريقة غير شرعية لكن الدول الأوروبية عموما وتحديدا بعد الحرب العالمية الثانية تتعاطى مع الأفراد الذين يدخلون بطريقة غير شرعية بكثير من الإنسانية خصوصا إذا كانت أسباب طلب اللجوء مقرونة بالخطر الأمني أو الفقر وترفض إعادتهم إلى دولهم . هذا في الدول التي تحترم مفهوم العيش الكريم. فهل لدى المسؤولين الذين حولوا الوطن إلى مزرعة والحياة فيه إلى ما دون جهنم ذرة مسؤولية وهل يسألون عن أبنائهم الذين باتوا مهاجرين بطريقة شرعية ولاجئين غير شرعيين في مطارات العالم عدا عن الذين ابتلعتهم أعماق البحار؟ فليسجل التاريخ ما زرعته منظومة هذا العهد عل من يسمع ويقرأ”، يختم ريفي.
المصدر : المركزية