لم يعد هذا السؤال خارج التداول، بعدما أصبحت واقعة رفع الدعم عن تلك الأدوية، ولو جزئياً، أقرب إلى التصديق من أي وقتٍ مضى، خصوصاً مع سريان معلومات عن المعنيين بقطاع الدواء بقرب انتهاء «الرخاء».
وعلى رغم أن هذه المعطيات لا تزال غير رسمية، ولم تصدر عن أية جهة معنية، سواء مصرف لبنان أو وزارة الصحة، إلا أنه يجري التداول اليوم بسيناريوهات تتحدث عن مرحلة ما بعد رفع الدعم عن بعض الأدوية المزمنة. وفي هذا السياق، يمكن الاستناد إلى «دردشة» حصلت أخيراً بين نقيب صيادلة لبنان، غسان الأمين وبعض الصيادلة، أشار فيها إلى أنه خلال الشهر الجاري ستبدأ مرحلة رفع دعمٍ جزئي عن أدوية الأمراض المزمنة، وإن كانت نسب الرفع «لم يؤخذ قرار بها بعد».
بدا الأمين، من خلال تلك الدردشة، أقرب إلى الواثق بقرب تلك الخطوة التي تعني عملياً أن معظم أدوية اللبنانيين المزمنة ستتضاعف أسعارها ولن تكون بمتناول كثيرين منهم، في ظل انهيار القدرة الشرائية. لكنه، واقع سيأتي. هذا ما يجزم به الأمين، وإن كان لا يزال حتى اللحظة لا يملك جواباً رسمياً. مع ذلك، ينطلق من ميزانية مصرف لبنان المفترضة لدعم الأدوية والمستلزمات الطبية ومن النهج الذي يسير على أساسه مستوردو وتجار الأدوية. في ما يخص ميزانية مصرف لبنان، يشير الأمين إلى أن الرقم الذي بات يصرفه مصرف لبنان أخيراً «بدل» دعم أدوية ومستلزمات طبية هو 35 مليون دولار – وهو الرقم الذي كان قد سوق له حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قبل بضعة أشهرٍ في لقائه مع رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الصحة السابق حمد حسن ومستوردي وتجار الأدوية. وقد بات معروفاً أن المبلغ المرصود للمستلزمات الطبية من الدعم هو 10 ملايين دولار، ما يعني عملياً أن ما يبقى لدعم الدواء هو 25 مليون دولار، منها نحو 18 مليوناً لدعم أدوية الأمراض السرطانية والمستعصية. أما ما يتبقى، وهو بحدود 7 ملايين دولار، فلا تكفي، بحسب الأمين، للاستمرار في الدعم الكامل للأدوية المزمنة. وانطلاقاً من هنا، يضع الأمين «من منطلق رأي شخصي»، تصوراً لما يمكن أن يكون عليه الوضع في ما بعد، مقسّماً الأدوية المزمنة إلى ثلاث خانات أساسية بحسب أسعارها. ويفترض أن الفئة الأولى وهي الأدوية الباهظة الثمن، أن «يبقى الدعم عليها بحدود 60 في المئة، فيما ينخفض الدعم على الأدوية المتوسطة السعر إلى 45 في المئة والأدوية الرخيصة الثمن إلى 30 في المئة».
معظم الأدوية المزمنة ستتضاعف أسعارها ولن تكون بمتناول كثيرين
يفترض الأمين أن هذا الحل «الوحيد» لمشكلة الأدوية المزمنة، فما دون ذلك «لا دواء في السوق» وهذا أمر محسوم بالنسبة له وللمعنيين بقطاع الدواء، عطفاً على تجربةٍ سابقة عمرها يزيد على أربعة أشهرٍ مارس خلالها التجار الابتزاز، حيث رفضوا استيراد الأدوية، ولا يزالون إلى الآن يوزعون معظم الأدوية بـ«القطارة»، وبـ«الحبة والحبتين».
لم يأت كلام الأمين من فراغ، وإن كان على ما يؤكد لا يستند إلى معطياتٍ رسمية. إذ ثمة كلام شبيه يقوله رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي، مشيراً فيه أيضاً إلى قرب الوصول إلى مرحلة الرفع، حيث يعتبر أن هناك اتجاهاً لـ«ترشيد الدعم للأدوية المزمنة». ولا يستبعد أن يكون القرار بذلك «قريباً جداً»، مستشرفاً هذا الواقع من طلب وزير الصحة، الدكتور فراس الأبيض، أن يكون «ضيفاً» غداً في اجتماع لجنة الصحة النيابية لأخذ الرأي بمعطيات جديدة يحملها حول الدواء، وقد «يكون أحد المعطيات أو القرارات يتعلق بالأمراض المزمنة». وفي هذا السياق، يفترض عراجي، كما الأمين، ألا يكون الرفع كلياً، وإنما «ستبقى هناك أدوية مدعومة وأخرى غير مدعومة أو جزء منها مدعوم».
ويعطي أمثلة على قاعدة دعم البدائل «إن كانت كثيرة» أو البراند إن كان لا بديل له»،وغيرها من القرارات «التي تتخذ في وقتها».
حان الوقت إذاً.
لم تعد المجالات مفتوحة للاستفادة من آلية دعمٍ لم تخدم يوماً سوى التجار والمستوردين، فيما المواطنون سيباشرون منذ اليوم الأول لما بعد الرفع بدفع ما في جيوبهم لجيوب التجار من أجل شراء أدوية لا غنى عنها.