حاول بعض الذين إلتقاهم الرئيس نجيب ميقاتي من قادة ومسؤولين دوليين، على هامش قمة “غلاسكو” ، وهم على دراية بالواقع اللبناني، الإستفسار عن الأسباب التي تحول دون عقد مجلس الوزراء إجتماعاته المعتادة.
لم يفهم كل هؤلاء كيف أن حكومة تحمل إسم “معًا للإنقاذ” لا تجتمع ولا تقرّر ولا تساهم في التخفيف من معاناة اللبنانيين، التي كانت حاضرة بقوة في هذا المؤتمر المخصّص لمعالجة أزمة كونية تتعلق بالمناخ والإحتباس الحراري وتأثيراته السلبية على كوكب الأرض.
سُمع أحد الذين يُعتقد أنه قد أصبح ملمًّا بالواقع اللبناني أكثر من كثيرين في لبنان يبدي إستغرابه كيف أن هذه الحكومة التي ولدت من رحم الأزمات لا تجتمع كل يوم لمعالجة هذا الكمّ الهائل من المشاكل التي يعاني منها لبنان نتيجة تراكمها، وبالأخص منذ سنتين حتى اليوم.
ما لم يفهمه الآخرون، وما لم يفهمه معظم اللبنانيين أيضًا هو ذاك الخلط بين ما يجب أن تقوم به الحكومة من خطوات إنقاذية، ولو بصعوبة، وبين التدّخل في العمل القضائي، الذي يُفترض أن يكون مفصولًا كليًا عن الإهتمام الحكومي. فلكل عمله. ولو قام كل فريق بما هو مطلوب منه لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه من أزمات بات يتطلب حلّها إلى أكثر من معجزة.
وعلى رغم هذا الجو المشحون فإن كثيرين يتوقّعون أن تعاود الحكومة جلساتها “الإنقاذية”، وذلك تجاوبًا مع مساعي رئيسها المصمّم على تحقيق ما خطّط له يوم رسم لعمله الحكومي خارطة طريق واضحة المعالم والأهداف، ويوم حدّد أولويات وعناوين “لوحة القيادة”.
اصبح الجميع، من دون إستثناء، على قناعة تامة أن ما قام به من خطوة تعطيلية لم تؤدِ إلى مبتغاها، بل زادت الأمور تفاقمًا، ونتج عنها المزيد من التشنج والتعقيد، خصوصًا بعد إصرار وزير الإعلام على موقفه وعدم تجاوبه مع التمنيات المخلصة لتقدير مصلحة لبنان قبل أي مصلحة أخرى، مع تفهّم الجميع “وقفة العز والكرامة”.فالوقت على رغم أهمية الحفاظ على كرامة كل مواطن لبناني ليس وقت “بطولات وهمية”، من دون التقليل من أهمية هذه الوقفات لو كان الظرف مغايرًا للواقع المأزوم الذي يعيشه لبنان، ومدى حاجته إلى كل مساعدة ممكنة تأتيه من الشقيق قبل الصديق.
ويُعتقد أن إستقالة قرداحي، الذي يحاول أن يؤسس على موقفه لمراحل سياسية شخصية لاحقة، قد تكون مقدمة لحلحلة الوضع مع المملكة العربية السعودية وسائر دول الخليج، على أن تليها محادثات ثنائية على أعلى المستويات بين بيروت والرياض لإعادة هيكلة علاقات ديبلوماسية متينة وثابتة وغير خاضعة للإهتزاز، وفق شروط تراعي مصلحة البلدين وتحول دون التدّخل في الشؤون الداخلية لكل من البلدين وضمان عدم تعكير صفو هذه العلاقات وضرورة إحترام سيادة وخصوصية كل منهما للآخر.
فالإتصالات مستمرة وقائمة، ولكن دون تحقيق هذه الغاية صعوبات كثيرة، وأهمّها إقناع الوزير قرداحي بتقديم إستقالته، وهو على ما يبدو مصرّ على موقفه ولن يقدّم هذه الإستقالة حتى ولو على طبق من قشّ، وقد أتته نفحة دعم جديدة من خلال بيان كتلة “الوفاء للمقاومة”.
قال الرئيس ميقاتي بالأمس كلامًا يفرض على جميع المعنيين التوقف عنده بإمعان. قال: “اعتقدنا بأن الواقع المؤلم الذي يمر به وطننا، سيدفع الجميع الى التعالي عن الحسابات والاعتبارات الضيّقة، والمشاركة الفاعلة في العملية الانقاذية ، لكن هذا الامر لم يحصل ويا للاسف.”
وقبل أن يدعوه مرّة جديدة إلى تحكيم ضميره وجّه الرئيس ميقاتي إلى الوزير قرداحي كلامًا مباشرًا وصريحا، حين قال له ولغيره “مخطئ ايضا مَنْ يعتقد انه يمكنه اخذ اللبنانيين الى خيارات بعيدة عن تاريخهم وعمقهم العربي وعلاقاتهم الوطيدة على كل الصعد مع الدول العربية ودول الخليج خاصة ومع المملكة العربية السعودية تحديدا”.
وفي موقف حاسم وواعد في الوقت نفسه قال الرئيس ميقاتي: “مجلس الوزراء هو المكان الطبيعي لمناقشة كل الملفات والقضايا التي تعني الحكومة بعيدا عن الاملاءات والتحديات والصوت المرتفع واستخدام لغة الوعيد والتهديد. ولن يكون مجلس الوزراء ابدا مكانا للتدخل في اي شأن لا يخص الحكومة، وتحديدا في عمل القضاء. على جميع الوزراء التزام التضامن الوزاري والتقيد بمضمون البيان الوزاري ، الذي حدد القواعد الاساسية لعمل الحكومة وسياستها. وكل ما يقال خارج هذه الثوابت مرفوض ولا يلزم الحكومة بشيء.”
ولكن على من تقرأ مزاميرك يا نجيب، فهل من يجيب ويستجيب؟
المصدر: لبنان 24