“لو لم يكن لبنان وطني لاخترته وطنًا لي”. قال جبران خليل جبران هذه العبارة، بالرغم من أنه عاش سنوات كثيرة من حياته بعيدًا عن تراب بلاد الأرز. والى اليوم لا يزال بعض المغتربين يردد هذه العبارة تعبيرا عن شوقه إلى وطنه الأم، فيما بعضهم الآخر خرج منه بحثا عن وطنٍ آخر يستطيع أن يجد فيه الأمان والاستقرار.
اعتاد اللبنانيون منذ زمن بعيد السفر خارج وطنهم الذي لم ينعم لسنوات طويلة بالاستقرار، بدءًا من أوروبا مرورًا بأميركا وصولًا إلى الخليج الذي أصبحت بلدانه حتى عام 2018 تضم أكثر من 500 ألف لبناني، بينهم نحو 250 إلى 300 ألف مقيم في السعودية وحدها، و40 إلى 50 ألف في الكويت، والعدد نفسه في قطر، أما الإمارات فبلغ عدد اللبنانيين فيها حوالى 150 ألف لبناني بعد سنوات الازدهار والعمران التي شهدتها بلاد زايد.
نادرًا ما تذهب إلى مكان ما في الإمارات إلا وتجد شابًا أو شابة لبنانية يقيمون هناك، وبعضهم أصبح يتبوأ مناصب رفيعة أو يعمل في وظيفة متواضعة ولا يود العودة إلى بلده، فيما البعض الآخر ينتظر الفرصة المؤاتية للعودة إلى وطن الارز.
نجاة امرأة ثلاثينية متزوجة لم تعش في لبنان سوى 7 سنوات ولا تفكر بالعودة إليه، وتقول في هذا الإطار لـ”لبنان 24″: “لقد تعرفت إلى زوجي هنا في الإمارات وكان لدي شرط للزواج أن لا أعود إلى لبنان خصوصًا وأن زوجي مغرم به وكان يفكر أن يستقر هناك لكنني هنا وجدت الأمان وكل شي متوفر وأشعر أنني إذا انتقلت إلى لبنان لن أستطيع أن أعيش راحة البال التي أعيشها هنا لكنني في الوقت نفسه أشعر بحزن كبير على الأوضاع التي وصلت إليها البلاد”، قائلة: “لم يبق لنا شيء هناك سوى منزل أبي”.
وتستدرك نجاة قائلة: “منذ 3 سنوات فكرت أن يكون لدي منزل في لبنان لكن بعد الأوضاع التي حصلت مؤخرًا غيرت رأيي بالرغم من أن التكاليف هنا في دبي عالية جدًّا”، مشيرةً إلى أن “حتى والدي الذي يملك أشغالًا في تركيا قرر أن يترك أشغاله هناك ويعود إلى لبنان لكن الأوضاع لم تسمح له بذلك”.
المواطن اللبناني جورج، هو نموذج آخر لمواطنين كثيرين يفضلون الاستقرار خارج لبنان. جاء جورج بزيارة عمل إلى دبي وكان يرغب بالبقاء فيها بالرغم من أنه في لبنان يحصل على راتبه “بالفريش دولار”، ويقول بهذا الإطار: “حين انتقلت إلى هنا لم أحمل هم انقطاع الكهرباء ولا تعبئة البنزين”، مضيفًا: كل ما أقوم به حاليًّا هو محاولة جمع بعض الأموال للاستقرار في الخارج”.
من جهة أخرى، ثمة مغتربون يتوقون إلى وطنهم وينتظرون فرصة واحدة مضمونة لهم يستطيعون أن يؤمنوا من خلالها مستقبلًا كريمًا لهم ولأبنائهم لكي يعودوا إليه.
سليم، شاب لبناني جاء إلى دبي منذ 17 عامًا. كان حينها لا يملك سوى 50 دولارًا كما يقول لكنه كافح إلى أن استطاع أن يشرف على مطعم العائلة الذي تم افتتاحه منذ 8 سنوات. يقول سليم: ” لبنان هو وطني ولم آت إلى هنا لأبحث عن وطن آخر غير لبنان بل لكي أبحث عن مستقبل”، مشيرًا إلى أنه “إذا أعطاني لبنان فرصة أهم من هنا أعود إليه”، لافتًا في الوقت نفسه إلى أنه حاليًّا لا يمكنه العيش في لبنان سوى لأيام قليلة ولكن بعد ذلك يصبح يشعر بعدم الأمان نتيجة الأوضاع المأسوية التي وصلت إليها البلاد”.
سالي، امرأة ثلاثينية أخرى، لا يزال لديها أمل في لبنان وتود أن تستقر فيه ولو بعد حين. تزوجت سالي عام 2013 ولأن كان هناك صعوبة بشراء منزل في لبنان خصوصًا وأن الحصول على قرض إسكان حينها كان معقدًّا فكان المخطط أن تعمل وزوجها في دبي من أجل أن يستطيعا شراء منزل في لبنان لكن الظروف أجبرتهما على ان يبقيا هنا.
وتقول سالي لـ”لبنان 24″: “قررنا أن نعود إلى لبنان منذ سنتين بعد أن تمكنا من شراء منزل هناك لكن أتت أزمة كورونا والاحتجاجات الشعبية فأجلنا مجيئنا”.
وتضيف: “نحن متعلقون جدًّا بلبنان وكنا نزوره نحو 3 مرات في السنة ولم نفكر يومًا أن يكون لدينا وطن ثان غير لبنان بالرغم من أنه حاليًّا هناك بعض الأشخاص الذين أعرفهم قدموا هجرة إلى كندا وبلدان أخرى كأنهم فقدوا الأمل بالعودة إلى وطنهم ولكنني شخصيًّا لم أفقد الأمل”.
فؤاد، شاب آخر جاء إلى دبي منذ سنتين تقريبًا بالرغم من أنه متعلق بأرضه، ويقول: “قدمت إلى دبي منذ سنتين تقريبًا لأني وجدت هنا أمانًا أكثر وبالرغم من أن الأمان هنا كبير إلا أنني لا غنى لي عن لبنان وفي حال استقر الوضع هناك أعود اليوم”.
هكذا هي حال فؤاد وغيره من المغتربين الذين يزورهم الحنين بين حين وحين إلى وطنهم. هم الذين لا تزال أغنية فيروز التي تقول “حبة من ترابك بكنوز الدني” تسكن في وجدانهم، فيما آخرون بالكاد يستذكرون هذه الأغنية ويترحمون عليها.