في ظلّ الأزمة الإقتصادية الخانقة التي يعاني من تداعياتها اللبنانيون هناك إصرار على مواجهتها بكافة الطرق والأساليب بصبرٍ وبصيرة ووعي. تجارب فرديّة أثبتت نجاعتها في تحقيق الأهداف وصولًا إلى العيش الكريم، أبرزها على المستوى الزراعي حيث الأرض منبع الخيرات والاستثمار فيها يعود بالأرباح الوفيرة.
اليوم ينتشر نموذج الزراعة في الخيم البلاستيكية جنوبًا وبقاعًا حتى في الأراضي الزراعية الصغيرة المساحة، لندرك أنّ اللبنانيين في تلك المناطق طوّروا من نمط وآليات الزراعة لديهم، ليتسفيدوا حتى من الأراضي بجانب منازلهم في زراعتها عبر إنشاء خيم بلاستيكية بغية الاستفادة من منتوجات في غير موسمها مع مراعاة شروط الحرارة والري، وقد انتشرت تجارب عديدة لزراعات ضمن هذه الخيم على مستوى فردي، وبات بمتناول أيّ فرد أن يستفيد من مساحة أرض صغيرة ليستثمر فيها.
لتسليط الضوء على هذا المشروع وآلية الاستفادة منه، كان لموقع “العهد” الإخباري لقاءات مع أشخاص خاضوا التجربة، بدءًا من مرحلة إنشاء الخيمة وصولًا إلى الإنتاج والبيع وتحقيق المردود المالي جرّاء ذلك.
أبو علي الزرزور، يعمل في إنشاء وبيع الخيم البلاستيكية، تحدث لموقع “العهد” الإخباري، مشيرًا إلى أنّ قياس الخيم الأكثر طلباً هي بطول 15 مترًا وعرض 7 أمتار، وبتكلفة تصل إلى 9000000 ليرة لبنانية جاهزة للاستخدام. ويشير الزرزور إلى أنّ أيّ خيمة تحتاج إلى مكونات ثلاثة، وهي قساطل حديدية، وشبكة من الشريط المعدني، والنايلون.
القساطل من الحديد المقاوم للصدأ بقياس 2.5 انش، يتم وصلها ببعضها عبر مفاصل ويثبت طرفها في التراب مباشرة، وتوضع بعدها شبكة من الشريط المعدني على كامل المساحة، بسماكة 3 أو 4 ملم، وبعدها يوضع غلاف النايلون، لافتًا إلى أن الأخير يتوفر منه نوعيتين، الأولى بقياس 120 “ميكرون” وهي تصلح لموسمي زراعة، أما القياس الثاني 180 “ميكرون” وتصلح حتى خمسة مواسم، على أنّ النوع الثاني مكلف أكثر ولكنه أكثر سماكة.
كما أن الخيمة تحتاح إلى شبكة للري بالتنقيط، وهي عبارة عن خزان رئيسي يتفرّع منه “نباريش” مثقوبة بحسب أنواع الزراعات التي تحويها الخيمة، وهذه الطريقة بالري توفر الكثير من المياه.
ويبلغ الارتفاع الأقصى للخيمة 3 أمتار عند منتصفها، وتكون بشكل نصف دائري، ويمكن أن يزرع فيها أكثر من نوع من الخضروات الرئيسية بدءًا من الأقصر إلى الأطول ويترك مسافات فارغة بينها لإمكانية التنقل والقطاف، على أنّ هذا القياس من الخيم يؤمن مؤونة 5 أو 6 عائلات بالحد الأدنى.
حسين كوراني.. تجربة رائدة كصاحب مشروع خيمة زراعية
تجربة فردية لمزارع جنوبي تعطي مؤشرًا واضحًا لمدى فعالية مشروع الخيمة الزراعية، إن لجهة التكلفة المادية أو كمية الإنتاج التي تحقق الاكتفاء الذاتي لعدد من الأسر.
حسين كوراني من بلدة ياطر الجنوبية، واحد من الذين دخلوا غمار هذا التحدي، استصلح عدة أمتار من الأرض قرب منزله وأنشأ خيمته الخاصة عرضها 8 أمتار وطولها 10 أمتار، ليزرع فيها 100 شتلة من البندورة، و75 شتلة من الخيار، و50 شتلة بامية، و25 شتلة فليفلة.
الشتول التي اشتراها كوراني بقيمة 250 ليرة لبنانية لكل شتلة، أنتجت لديه كمية كبيرة من المحصول خلال 4 أشهر امتدت من كانون الثاني إلى نيسان، حتى إذا حان وقت القطاف، فاضت خيرات هذه الأرض على المزارع وعائلته الكبيرة وجيرانه مما أنعمه الله عليه.
يشير كوراني إلى أنّ التكلفة الإجمالية لمشروعه، خلال موسم واحد، لم تتجاوز 300 دولار أمريكي حينها، وأنّ مردودها يصل إلى حوالي 1000 دولار، فيما تبلغ نسبة الربح حوالي 70%.
الخيمة التي كلّفتها 200 دولار، أضاف إليها كلفة الشتول، وأنابيب الري والخيوط لربط الشتول وتكاليف إضافية من أدوية وأسمدة، إذ عليه أن يكافح “دودة الخياط”، و”المن”، ويستعين ببعض المغذيات ومثبت للزهر، ليبلغ إجمالي التكاليف 300 دولار أمريكي.
أما كميّة المنتوجات فكانت كالآتي:
– 800 كيلو من البندورة.
– 400 كيلو من الخيار.
– 200 كيلو لوبيا.
– 100 كيلو بامية.
ولم يستعن كوراني بأي يد عاملة لمساعدته في الاهتمام بمزرعته الصغيرة، فالري يتم بواسطة أسلوب التنقيط ولا يحتاج مشروعه إلى أكثر من برميلي مياه يوميًا (البرميل = 200 ليتر)، علمًا أنّه ليس مطلوبًا ريّ المرزوعات بشكل يومي، فيما يمكن الاستفادة من مياه البئر التي يتم جمعها من الأمطار التي هطلت خلال فصل الشتاء.
ويلفت كوراني إلى أنّه نظّم مزروعاته من الأصغر حجمًا إلى الأكبر ليستفيد من كل مساحة فارغة ممكنة، إضافة إلى تنظيم صفوف الشتل، حيث ترك مسافة 40 سنتمترًا بين كل شتلتين، ليبلغ عدد الشتلات في كل صف 25 شتلة، وبين كل صف من الشتل ترك مسافة 90 سنتمترًا للمرور بشكل مريح.
وينصح كوراني كل من يمتلك قطعة من الأرض أن يلجأ إلى هذا النمط من الزراعة، لا سيما في هذه الظروف المعيشية الصعبة، بحيث يتوسّع هذا النموذج ليشمل القرية، وبالتالي يمكنها، على الأقل، أن تحقق الاكتفاء الذاتي في المرحلة الأولى، وبعدها تصدّر ما يفيض منها، خاصة وأن جزءًا من مشكلة ارتفاع أسعار السلع أصبح مرتبطًا بارتفاع كلفة النقل، وهذا ما يمكن معالجته لدى المواطن إن كان محل الخضار في حديقة منزله.
هل تطوي الخيم البلاستيكية صفحة مواسم التبغ؟
هذا النمط من الزراعات، وإن كان حاليًا محصورًا ضمن مبادرات فردية أو عائلية محدودة، لكنه بات يتربّص بأحد المواسم التاريخية، ألا وهو موسم التبغ.
فتكاليف زراعة الدخان باتت مرتفعة للغاية، ومن المتعارف عليه أن هذه الزراعة مضنية وتستهلك الكثر من الوقت والجهد، وهي تقسم إلى عدّة مراحل ينبغي مراعاة عدّة شروط فيها لكي يكون الموسم على قدر المتوقّع ويؤتي أكله، حيث تبدأ بالزرع ثم القطاف يليه “الشك” وغيرها من المراحل المتعبة.
فقد زادت نسبة تكلفة زراعة “شتل الدخان” ضعفين، كما أنّ المشتل بات يكلّف أدوية ومبيدات بزيادة 5 أضعاف، فيما ارتفعت أجرة اليد العاملة التي تزرع الدخان ضعفين أو ثلاثة، وبنفس النسبة ارتفعت أجرة القطف والشك.
وكانت شركة “الريجي” تأخذ المحصول من المزارعين بسعر 12000 ليرة لبنانية للكيلوغرام الواحد عندما كان سعر الصرف 1500 ليرة مقابل الدولار الواحد، وهذا المبلغ نصفه ربح للمزارع حيث كان يتكلف على كل كيلوغرام 6000 ليرة.
أما اليوم، ومع ارتفاع سعر الصرف، ارتفعت التكلفة على المزارع وبالتالي بات كل كيلوغرام يساوي حوالي دولارين فقط بعد أن كانت قيمته 8 دولارات، على أنّ السعر الذي تستلم على أساسه “الريجي” هو 18000 ليرة، ويكون المزارع قد خرج من هذا الموسم “راس براس”.
هذا الواقع المرير الذي يحيط بموسم التبغ، يطرح إشكالية حول إمكانية جدواه في ظل هذه الظروف بل ما تقدّم يؤشر الى جديّة التوجه نحو زراعات الخيم البلاستيكية كبديل، ما يشير إلى تراجع زراعة التبغ بل ربّما إطلاق رصاصة الرحمة عليها، في وقت يأمل كل من يواصل زراعة التبغ في هذا الموسم أن تعيد الشركة المستلمة لانتاجه النظر في السعر، وإلاّ فستكون الخسارة من نصيبه.
– موقع العهد الاخباري