من المُفترض أن يحصل لبنان، اليوم الخميس، من صندوق النقد الدولي، على مبلغ 1.135 مليار دولار بدل حقوق السحب الخاصة “إس دي آر.” ووفقاً لوزارة المالية، فإنّ هذا المبلغ يمثل حصة لبنان من الصندوق عن العام 2021 وقيمتها 860 مليون دولار وعن العام 2009 وقيمتها 275 مليون دولار، على أن يتم إيداعه في حساب مصرف لبنان
وحالياً، فإن الأنظار تتجه إلى طريقة استخدام تلك الحقوق بعد تحويلها إلى دولارات عبر إحدى الدول قيل أنها غير عربية، في حين أنه تردّد مؤخراً بأن المبلغ المحوّل إلى لبنان يكفي لانشاء معامل كهربائية جديدة تسدّ حاجة لبنان من الطاقة.
وبعيداً عن التأويلات، فما تبيّن هُو أن جزءاً أساسياً من هذه الأموال مخصص للقطاع الصحي ويتحدّد لمعالجة جائحة “كورونا.” إلا أنه عملياً، فإن تلك الدولارات ستمثل “انتعاشة” نسبية خصوصاً أنها تمثل تحويلاً خارجياً إلى لبنان. وحالياً، فإن المصرف المركزي يتجه لاستخدام جزء من تلك الأموال في دعم القطاع الاستشفائي والصحي،في حين أن الجزء الآخر سيتم استخدامه في تمويل البطاقة التمويلية.
ووفقاً للخبراء، فإنّ مصرف لبنان سيبادر لصرف ما هو بحاجة إليه من الأموال بالليرة اللبنانية، في حين أنه سيودع الأموال المتبقية ضمن احتياطي العملات الأجنبية. وفي هذا الاطار، يقول الخبير الاقتصادي منير يونس لـ”لبنان24″ أن “أي دولار يدخل إلى البلاد، ينخرط في معادلة ميزان المدفوعات”، ويضيف: “إن تراجع عجز ميزان المدفوعات يُسعف الليرة قليلاً. وعموماً، فإن أي مبلغ إضافي ضمن احتياطي العملات هو أمرٌ إيجابي لقدرة المصرف المركزي للدفاع نسبياً عن سعر صرف الليرة، وقد يساهم في عدم انهيار العملة الوطنية بشكل سريع.”
بدوره، لفت الخبير الاقتصادي محمد الشامي لـ”لبنان24″ إلى أنّ الأموال التي سيحصل عليها لبنان هي “داعمة مرحلية لسعر الصرف الرسمي وليس لسعر الصرف في السوق الموازية”، موضحاً أنه “ليس على هذه الأموال أي قيود أو شروط، وبالتالي يمكن للدولة أن تستخدمها كيفما تريد”، وأضاف: “في المقابل، فإنّ صندوق النقد الدولي خصّص هذه الأموال لمحاربة جائحة كورونا، وعلى الحكومة أن تُظهر بادرة حسن نية أمام المجتمع الدولي وذلك من خلال استخدام تلك الأموال في القطاع الطبي والاستشفائي. من الممكن أن نُظهر للمجتمع الدولي أن لبنان يعمل على اصلاحات جذرية ولا يهدر الأموال، بل إنه يقوم باستثمارها في مكان الصحيح مع العلم أن المستشفيات الحكومية ومراكز الرعاية الأولية بحاجة للدعم في ظل تراجع المستوى الاقتصادي لدى شريحة واسعة من اللبنانيين
ما هي الشروط والمبالغ التي يحتاجها لبنان للنهوض؟
وبشكل أساسي، فإنّ تلك الأموال الجديدة لا تمثل سوى غيضٍ من الأموال الكثيرة التي يحتاجها لبنان لبداية النهوض والتعافي بعد الانهيار الذي يشهده. ومع هذا، فإن التعويل على هذه الأموال سيكون مرحلياً لأنها ستتبدّد قريباً بعد استثمارها في مكانها. إلا أن الثابت والأكيد هو أنّ المطلوب اليوم هو السعي المتواصل لتحسين سعر الليرة، ويكون ذلك من خلال تعزيز الثقة وجذب الدولارات والاستثمارات وتنفيذ الحكومة لخطة اقتصادية واضحة، وإقامة مفاوضات جديّة مع صندوق النقد الدولي. ووفقاً ليونس، فإنّ “هذه العوامل تساهم في إنعاش العملة الوطنية، وليتحقق ذلك يجب أن يتوازن ميزان المدفوعات أو يربح وذلك بعدما شهد خسائر كبيرة.”
ومع هذا، يرى يونس أنّه “يجب أن يكون هناك دعم للاقتصاد المحلي وزيادة الصادرات وحسن استخدام الدولارات الآتية من المغتربين والدول المانحة”، موضحاً أنّ “شروط صندوق النقد الدولي للنهوض واضحة مثل معالجة المالية العامة وتحرير سعر الصرف ورفع الدعم وغيرها من الأمور المطلوبة.”
كذلك، يرى يونس أنّ “الإصلاح الجذري الذي يتطلب توافقاً من الجهات السياسية، قد يساهم في ضرب هيمنة السلطة على المرافق وبالتالي فإن خسائرها وهيمنتها ستزداد”، مشيراً إلى أنّ “صندوق النقد الدولي يجب أن يقتنع بأن الدولة اللبنانية أنجزت الإصلاحات من أجل التمويل، كما أنه يجب أن يرى أن السلطات أقرت الكابيتال كونترول وذلك لضمان أن الدولارات التي ضخّها في السوق اللبناني لم تخرج منه.” وأضاف: “كذلك، يجب أن تعمد الدولة إلى تحديد الخسائر وهذا تفصيل هام في محادثات لبنان مع صندوق النقد الدولي
بدوره، اعتبر الشامي أنّه “بظل تفلّت سعر الصرف ووجود عدة أسعار له في لبنان، فإنّ قرار تحديد قيمة الأموال التي يحتاج إليها لبنان للتعافي والنهوض يصبح صعباً جداً”، ويضيف: “في العام 2015، عندما بدأ لبنان محادثاته مع المجتمع الدولي لحشد الدعم عبر مؤتمر سيدر قبل أن نصل إلى الانهيار الحالي، كنا نتحدث حينها عن 13 مليار دولار. ولهذا، فإنه من الممكن عبر هذا الرقم الانطلاق بعملية النهوض وليس إتمامها.”
وإضافة إلى ذلك، فقد أوضح الشامي أنّ “لبنان اعتاد النجاح في المفاوضات مع الصناديق الدولية وذلك من خلال إرضائها بالكلام المعسول”، وأضاف: “إذا سلمنا جدلاً بأن لبنان نجح في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، فهل سيلتزم بوعوده أم أنها ستبقى حبراً على ورق؟ العبرة ليست بالنجاح بل بالالتزام بتلك الاصلاحات وما سيتضمنه البيان الوزاري الذي سننظر بإيجابية إليه.”
وتابع الشامي: “الإصلاحات الأساسية التي يتحدث عنها المجتمع الدولي يجب أن ترتبط بشكل أساسي بمكافحة الفساد، كما أنه يجب أن تكون هناك ورشة إعادة بناء للقطاع العام في لبنان خصوصاً أن هناك فائضا كبيرا من التوظيفات وغيره من أشكال الترهل التي أصابت الموازنة بالعجز. ولهذا، فإن البيان الوزاري يجب أن يلحظ الخصخصة لأن القطاع العام أثبت فشله في إدارة معظم قطاعات الدولة خلال العقود السابقة. كذلك، يجب أن يتم العمل على نظام ضريبي جديد لأن الحالي زاد من نسبة الغنى لدى الأغنياء كما ساهم أيضاً بتعميق الفقر”.
مسار المساعدات المالية الدولية.. كيف سيكون؟
ومع هذا، يقول الشامي أنّ “معظم الودائع التي حصل عليها لبنان تاريخياً كانت من الصناديق العربية”، وأضاف: “في ما خصّ مسار الاموال من الصناديق الغربية، فإنّ الجواب كان حاسماً بشأنه وهو أن تلك المبالغ لن تقدم بشكل واضح إلى الحكومة أو القطاع العام قبل إجراء الاصلاحات اللازمة. ومن المتوقع أن تدخل الدولارات عن طريق المنظمات غير الحكومية أو جمعيات أو شركات خاصة تستثمر في لبنان. كذلك، فان هذه الأموال يمكن أن تذهب لدعم القطاع الاقتصادي الناشئ في لبنان خصوصاً أن مجتمعنا فتي واقتصادنا هرِمٌ وبحاجة إلى نهضة نوعية تنقله من مرحلة إلى أخرى.”
هل يمكن للدولار أن يعود إلى سعر الـ1500 ليرة؟
ومنذ بداية الأزمة وحتى اليوم، فإنّ اللبنانيين جميعاً يتوقون إلى سعر الدولار القديم والذي كان يتحدد بـ1500 ليرة. فبالنسبة لهم، فإنهم كانوا يعيشون “الزمن الجميل” وسط ذلك السعر. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه.. هل يمكن للدولار أن يعود إلى عهده السابق بعد هذا الانهيار المتمادي؟
من وجهة نظر الخبير الاقتصادي منير يونس، فإنّ الكلام عن عودة الدولار إلى مستويات متدنية قد يكون صحيحاً على مدى زمني معين، أي على نحو 4 أو 5 سنوات من الآن، وذلك في حال حصلت الاصلاحات المطلوبة، وفي حال تم تخفيف الهدر ومحاربة الفساد وزيادة الانتاجية والتنافسية في الاقتصاد، وجرى استخدام دولارات صندوق النقد الدولي والتحويلات المالية بشكل جيد، فإن الدولار يمكن أن يعود إلى سابق عهده وأكثر من ذلك، لكنه أضاف: “كل ذلك مرهون بقدرتنا كشعب وسلطة السياسية على تمرير مرحلة صعبة، وفي حال نجحنا في كل ذلك، فإنه من الممكن أن نعود إلى سعر صرف ليرة مقبول خلال سنوات.”
في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي محمد الشامي أن عودة الدولار إلى الـ1500 هو أمرٌ صعب للغاية، وقال: “إذا نظرنا لدولار الـ1500ليرة، فإن هذا الرقم كان رقماً معوما لليرة اللبنانية، وكلما كنا نصل إلى حافة الهواية، تأتي المؤتمرات الدولية لتعويم سعر الصرف من أجل تثبيته مجدداً على الـ1500 ليرة.”
وأضاف الشامي: “عام 2016، ذكرت صحيفة الفايننشال تايمز أن قيمة الدولار في لبنان تصل إلى 6500 ليرة. إلا أن صورة التحسن الذي من الممكن أن نشهده على صعيد سعر الصرف، تسوده ضبابية كبيرة. ومن الممكن أن يكون هناك سعران للدولار في لبنان: الأول للدولة ولمشترياتها ولتجار المواد الأولية والثاني للاستخدام العام. وفعلياً فإن هذا التوجه بشأن أسعار الدولار يندرج في إطار الفرضيات، كما أن التقديرات أيضاً تقول سعر دولار قد يرتكز على أساس 10 آلاف ليرة، ولكن كل ذلك ما زال كلاماً وتأويلات حتى الآن
ماذا عن “هيكلة” أو “إصلاح” القطاع المصرفي؟
وفي البيان الوزاري للحكومة الجديدة، فقد تم ذكر عبارة “إصلاح القطاع المصرفي” بدلاً من عبارة “إعادة هيكلة القطاع المصرفي.” ومن وجهة نظر الشامي، فإنّ “القطاع المصرفي مضخّم، هو أكبر بكثير من حجم سكان لبنان”، وأضاف: “إعادة الهيكلة يمكن أن تتضمن لجم القطاع المصرفي وإشعار وإعلان إفلاس بعض المصارف وتصفية القطاع المصرفي من هذا العدد الكبير للمصارف. كذلك يمكن تقليص عدد الفروع وضبط التعاملات المصرفية.”
وتابع: “عندما نقول إصلاح قطاع مصرفي، فإننا نتحدث عن أن القطاع المصرفي سيبقى قائماً كما هو بفروعه وعدد المصارف التجارية القائمة حالياً، إلا أنه سوف تطرأ بعض التعديلات على علاقته بالدولة، ومن المحتمل أن تفرض عليه بعض الضرائب الجديدة أو القيود في التعاملات الداخلية والخارجية، كما أنه قد يفرض عليه تقديم قروض ميسرة لتحويل لبنان إلى قطاع انتاجي. إلا أنه بشكل أساسي، فإنّ إعادة الهيكلة ستكبد القطاع المصرفي خسائر كبيرة، وهذا الأمر الذي قد لا يتم القبول به في لبنان.”
المصدر: لبنان 24