لم تحقّق مفاوضات تأليف الحكومة النتيجة المرجوّة. غيرَ أنّ الأبواب ليسَت موصدة بالكامل. الحكومة شبه مُنجزة، لكنّ العقد التي لم تُذلّل بعد يمكن أن تفجّر التشكيلة
لم يحتَج التفاؤل المُفرِط نهاية الأسبوع الماضي، بقرب تأليف الحكومة، أكثر من ساعات كي يتلاشى. فالبنيان الذي قامَ عليه، لم يكُن معلومات ووقائع، بقدر ما كان آمالاً في غير محلّها. يومَ أمس، اصطدم حراك المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بعقَد شلّت القدرة على تأليف الحكومة بسبب العراك على الحصص. غيرَ أنّ النافذة التي فتحها إبراهيم الأسبوع الماضي وأغلِقت بسبب تمترس كلّ من رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف نجيب ميقاتي خلف مطالبهما وشروطهما، لم توصِد الأبواب نهائياً في وجه التأليف. فإلى جانب حراكه، كان ثمة خطوط أخرى مُشرّعة في السرّ، وهي لا تزال كذلك. إذ علِمت «الأخبار» أن «مفاوضات مباشرة يديرها قنصل لبنان الفخري في موناكو مصطفى الصلح (صهر طه ميقاتي) مع الوزير باسيل لتذليل ما تبقّى من عقبات أمام ولادة الحكومة». وقالت مصادر مطّلعة إن «الصلح تربطه بباسيل علاقة صداقة قوية، وهو ما دفعَ الأخوَين ميقاتي إلى أن يكونا أكثر تفاؤلاً، على اعتبار أنها تجعل فرص التوافق أكبر».
حتى ساعات الليل المتأخرة، لم يكُن هناك من اتفاق، لكن الكلام لم يتوقّف، وهو يتمّ أحياناً بصورة مباشرة بين الرئيسين. ولا يزال النقاش يتناول 3 عقَد: الأولى تتعلّق بوزارة الاقتصاد التي يُصرّ ميقاتي على أن تكون من حصة السنّة. والثانية، ترتبط باسمَي الوزيرين المسيحيين، وخاصة أن «ميقاتي عاد وطرح أسماء جديدة في التشكيلة الأخيرة التي حملها اللواء إبراهيم الى قصر بعبدا أول من أمس، هما عضو مجلس بلدية بيروت أنطوان سرياني وسليمان عبيد (نجل الراحل جان عبيد)، إلا أن عون رفض الأخير». وكان إبراهيم «قد طلب من رئيس الجمهورية إعطاء موقف أخير من التشكيلة الجديدة لإبلاغ ميقاتي بها، لكنّ عون طلب مزيداً من الوقت لدرسها». أما العقدة الثالثة التي لا تزال موضع نقاش بين الصلح وباسيل فهي إعطاء الثقة لحكومة ميقاتي الذي يشترطها مقابل إعطاء رئيس الجمهورية العدد الذي يطالب فيه بالحكومة».
وفيما يترقّب المعنيّون مفاوضات باسيل ــــ الصلح والنتيجة التي ستحقّقها، قالت مصادر مطّلعة إن «مسؤولية التعطيل مشتركة»، مشيرة إلى أن «ميقاتي ليس على كلامه رباط، وقد أدخل أكثر من مرّة تعديلات على توزيع الحقائب والأسماء، بعكس ما كان يجري الاتفاق عليه مع عون وباسيل». وكشفت المصادر أن «الأسبوع الماضي، أي منذ بدء اللواء إبراهيم حراكه، تبدّلت التشكيلة أكثر من عشر مرات»، وهذا الأمر «كان سبباً أساسياً في اللقاء الذي جمع ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري. إذ طلب من معاونه السياسي النائب علي حسن خليل الاستفسار عمّا يجري قبل أن يطلب الاجتماع بالرئيس المكلّف في عين التينة».
العقد الباقية: «الاقتصاد» و«الثقة» و«الاسمان المسيحيّان»
بناءً على هذه الوقائع، قالت مصادر سياسية بارزة على بيّنة من المشاورات إن «الحديث عن عودة إلى النقطة الصفر مبالغٌ فيه، تماماً كما القول بأن الحكومة صارت قريبة». وقالت المصادر «إننا في منتصف الطريق. فإما أن تؤدّي المفاوضات الى اتفاق نهائي، أو يعود الرئيسان عون وميقاتي أدراجهما الى المربّع الأول، وحينها تُصبِح كل الخيارات مفتوحة ومن بينها الاعتذار».
ورأت المصادر أن التطوّرات المذكورة أعلاه إنّما تؤكّد حقائق عدة، تعدّدها على الشكل الآتي:
ــــ لا يتحمّل طرف واحد من طرفَي الصراع مسؤولية إفشال كل حراك حكومي، بل إنهما معاً يدفعان في اتجاه العرقلة.
ــــ ليسَ صحيحاً أن باسيل لا يتدخّل في المفاوضات. فعلى عكس كلّ كلامه عن أنّه لا يريد المشاركة في الحكومة، فهو يتولّى خياطة كل تفصيل يتعلّق بحصّة رئيس الجمهورية، والدليل هو أن النقاش يجري معه بالمباشر.
ــــ الثلث المعطل أو الضامن ليس مجرّد اتهام غير مبنيّ على دلائل، فالمعركة الحالية هي معركة مقنّعة على هذا الثلث وتخاض بعناوين حركيّة كالأسماء والحقائب، لكنها في الحقيقة معركة حسم من له الكلمة العليا داخل مجلس الوزراء.
ــــ وقائع المفاوضات تؤشّر إلى أن الصراع ليس على الصيغة ولا التشكيلة، بقدر ما هو صراع على جدول أعمال الحكومة وبرنامجها. من التدقيق الجنائي إلى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ومستقبل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وعدد من الموظفين الذين يريد رئيس الجمهورية تبديلهم، إضافة إلى التعيينات والموقف من بواخر المحروقات الإيرانية والعلاقة مع دول الجوار بما فيها سوريا والمملكة العربية السعودية.
وبرأي المصادر «يصعب حتى الآن تصوّر أن يذهب ميقاتي إلى خيار الاعتذار في حال تعذّر الوصول الى اتفاق، لأنّ الفرنسيين والأميركيين غير راغبين في هذا الخيار، وهو لا يستطيع وحده اتخاذه. فضلاً عن أنّ الرئيس بري يحثّه على الاستمرار في المشاورات، علماً بأن رئيس المجلس حذّر ميقاتي من إعطاء عون وباسيل ما يريدانه، وإلّا فهو لن يشارك في الحكومة، وهو موقف أبلغه رئيس تيار المردة سليمان فرنجيّة إلى الرئيس المكلّف أيضاً».
جريدة الأخبار