تتوالى التقارير التي ترصد تداعيات الأزمة الاقتصادية اللبنانية، وانعكاسها على الأمن الاجتماعي والغذائي للمواطنين اللبنانيين، الذين باتوا مهددين بالجوع التام، كنتيجة للارتفاع الضخم في الأسعار مقابل ثبات في المدخول المالي للأسر والأفراد.
وفي هذا السياق، نشر “مرصد الأزمة” التابع للجامعة الأميركية في بيروت، تقريراً رصد فيه التضخم “غير المسبوق” الذي لحق بأسعار المواد الغذائية الأساسية في البلاد خلال شهر حزيران 2021، مقارناً إياها بمعدل وسطي لرواتب اللبنانيين، مقدماً نتيجة بالأرقام لتكلفة أعداد الأسرة اللبنانية وجبة واحدة خلال النهار تحتمل أن تكون غداء أو عشاء، وفق ما ذكر موقع “الحرة”.
وبحسب تقرير المرصد الذي اعتمد على جداول أسعار وزارة الاقتصاد والتجارة والتتبع الاسبوعي لها، سجَّلت أسعار السلع الأساسية التي تحتاج إليها الأسر ارتفاعًا ملحوظًا في الأسبوع الأخير من شهر حزيران، فقد ارتفع سعر زيت دوار الشمس (زيت القلي) بنسبة تخطَّت 1100 في المئة منذ صيف 2019، أي قبل حدوث الانهيار المالي والاقتصادي، فيما ارتفع سعر لحم البقر 627 في المئة والأرز العادي 545 في المئة. أما سعر البيض فقد ارتفع 450 في المئة، وتضاعف سعر اللبنة 275 في المئة.
راتب شهري لوجبة واحدة
وبناء على هذه الأسعار فإن وجبة غداء أو عشاء عادية مكوَّنة من سلطة وحساء وطبق أساسي (أرز ودجاج)، لأسرة مكونة من خمسة أفراد، باتت كلفتها تُقدَّر بـ 71,000 ليرة لبنانية يوميًّا، من دون احتساب أيِّ نوعٍ من أنواع الفاكهة أو كلفة المياه والغاز والكهرباء ومواد التنظيف.
يذكر أن الحد الأدنى للأجور في لبنان يبلغ 675 ألف ليرة لبنانية، وهو ما كان يساوي نحو 400 دولار وفقاً لسعر الصرف الرسمي المحدد من مصرف لبنان للدولار الواحد، 1500 ليرة لبنانية. لكن وبعد الانهيار المالي لليرة اللبنانية مقابل الدولار، بات الحد الأدنى للأجور اليوم يساوي نحو 38 دولار فقط بحسب سعر صرف السوق السوداء للدولار الذي بلغ فيه 17500 ليرة لبنانية.
وستكون الأسرة اللبنانية مضطرة أن تنفق نحو 2,130,000 ل.ل. (مليونين ومئة وثلاثين ألف ل.ل.) على وجبة رئيسية واحدة خلال شهر واحد، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف (3,16) الحد الأدنى للأجور تقريبًا. عندها وبأقل تقدير، بحسب مرصد الأزمة، ستجد أكثرية الأسر في لبنان (72 في المئة) -التي لا تتعدَّى مداخيلها 2,400,000 ل.ل. (مليونين وأربعمئة ألف ل.ل.) شهريًا- صعوبة في تأمين قُوتِها بالحدِّ الأدنى المطلوب، استنادًا إلى أرقام دخل الأسر، بحسب تقرير إدارة الإحصاء المركزي لعام 2019 في لبنان.
التضخم مستمر
وعليه فإن التضخُّم الكبير الحاصل في أسعار المواد الغذائية مرتبط بتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية وخسارتها لقيمتها التي تجاوزت بنسبتها عتبة الـ 100 بالمئة خلال أقل من عامين، ومن المتوقَّع، بحسب التقرير، أن يستمرَّ هذا التضخُّم مع ترقُّب انخفاضٍ أكبر سيطرأ على قيمة الليرة خلال الأشهر المقبلة، علمًا أنَّ لبنان يستورد معظم احتياجاته الغذائية من سلعٍ أو موادَّ أولية من الخارج ومعظمها وفق تسعيرتها بالدولار الأميركي.
يذكر أن “مرصد الأزمة” هو مبادرةٌ بحثيَّةٌ للجامعة الأميركية في بيروت، تهدف إلى دراسة تداعيات الأزمات المتعدِّدة في لبنان وطرائق مقاربتها. وينسجم تقرير المرصد مع غيره من التقارير المحلية والدولية الصادرة حول الواقع المعيشي في لبنان، وآخرها تقرير منظمة اليونيسف الذي قالت فيه إن “ثلث أطفال لبنان باتوا ليلتهم الشهر الماضي بأمعاء خاوية، وذلك تحت من وطأة أحد أسوأ الانهيارات الاقتصادية في العالم في الآونة الأخيرة.”
ويشير تقرير اليونيسف، إلى أن 77 بالمئة من الأسر لا تملك ما يكفي من غذاء أو من مال لشرائه. وترتفع هذه النسبة بين الأسر السورية اللاجئة في لبنان الى 99 بالمئة. فيما 60 بالمئة من الأسر تضطر الى شراء الطعام عبر مراكمة الفواتير غير المدفوعة أو من خلال الاقتراض والاستدانة، وتحلق الأسعار في شكل هائل مقابل نسبة بطالة تستمر في الارتفاع.
كما يزداد عدد الأسر في لبنان التي تضطر الى اتخاذ تدابير التأقلم السلبية لتتمكن من الصمود، كإلغاء بعض وجبات الطعام توفيرا لثمنها أو إرسال أطفالهم الى العمل، يكون غالبا في ظروف عمل خطيرة، أو اللجوء الى تزويج بناتهم القاصرات، أو بيع ممتلكاتهم”. وفقاً لليونيسف.
الحقيقة المؤلمة
يشير تقرير “مرصد الأزمة” إلى حقيقة مؤلمة مفادها أنَّ لبنان لم يبلغ بعدُ عصفَ الأزمة العميقة في حدِّها الأقصى، لكن الأخطر من ذلك هو أن التقرير يخلص إلى انعدام كافة سبل المواجهة المفترضة للأزمة، إن كان لناحية انعدام القرار السياسي بالحل، في ظل تسارع الانهيار والاصرار على تجاهل الازمات الانسانية والاجتماعية والتأخر غير المبرر في اطلاق برامج تُسعف الفقراء وتخفف من وطأة الازمة عليهم.
ويختم التقرير أنه لا يبقى في المرحلة القادمة أمام اللبنانيين إلَّا تضامن الناس بعضهم مع بعض والاعتماد على الروابط الاهلية والعائلية على مستوى البلدات والقرى وأحياء المدن، حتى يمرَّ عصفُ الأزمة بحد أدنى من مآسي وسوء تغذية وأكلاف انسانية متعددة.