جميعنا يذكر مساء الخميس 17 تشيرن الاول العام 2019، حين اندلعت احتجاجات في عدد كبير من المناطق اللبنانية على خلفية درس مجلس الوزراء آنذاك فرض ضريبة على تطبيق الواتساب… لم يمضِ الا ايام معدودة حتى بدأت “الثورة” تفقد وهجها… وبعد ذلك انفجرت الازمة الاقتصادية بشكلها الفاقع بعدما كانت كالجمر تحت الرماد… بدأ شح الدولار وبالتالي ارتفاع سعر الصرف اخذت السوق السوداء مجدها ويلامس اليوم سعر الصرف نحو 13الف ليرة لبنانية، اضف الى ذلك انقطاع المواد الاساسية، بدءا من البنزين.
امام هذا الواقع يفترض ان تتجدد الثورة ولا تهدأ قبل تحقيق المطالب لا سيما على مستوى الانقاذ… لكن ما هو حاصل العكس تماما، الناس تقف في الصف من اجل ان تحصل على بنزين بقيمة 20 الف ليرة (اي اقل من نصف تنكة) تقف بالطابور امام الافران للحصول على رغيف خبز، الذي بدوره اصبح خاضعا للتسعير الاسبوعي… وحدث ولا حرج عن الغلاء الذي دفع الى ازمة اجتماعية معيشية.
وعلى الرغم من التهويل بالإنهيار والمزيد من التدهور… نجد ان الناس تأقلمت مع الوضع و”التعتير”؟… فماذا بعد وما المنتظر؟
يرى الخبير الاقتصادي لويس حبيقة ان اللبناني لم يكتوِ بعد من الاوضاع، ولم يشعر بالام الى حد الثورة، هو موجوع لكن هذا الوجع ما زال ضمن امكانية التحمّل، وبالتالي ربما الثورة تحتاج الى ألم اكبر.
وفي موازاة ذلك، يشير حبيقة في حديث الى وكالة “أخبار اليوم”، إلى ان اللبناني لا يأمل بأن تؤدي اي ثورة الى نتيجة، اضف الى ذلك الانقسام بين اللبنانين، والسؤال الاساسي: على ماذا سيثورون وضد منّ؟ وبالتالي بات المواطن ضائعا. ويمكن القول ان اللبناني مزعوج وموجوع والامور تتوقف هنا!
وهل هذا يدفع الطبقة الحاكمة الى الاستشراس طالما الشعب لا يتحرك، يجيب حبيقة: هذا ما هو حاصل اليوم، وهذا ما لمسناه في جلسة مجلس النواب الاخيرة التي عقدت في الاونيسكو لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية حول تعثر التأليف، حيث النائب جبران باسيل تحدث في خطابه عن “مرجعية الوزير”، بمعنى انه بدل البحث عن وزراء يعملون على معالجة الازمة الاقتصادية تبين ان الاهم مرجعية الوزير السياسية و”زلمة من هو”، وبالتالي فان هذه الصفة تتقدم على الخبرة والاختصاص والكفاءة.
ويستغرب انه في ظل الازمة الحاصلة، هناك من يسأل عن المرجعية، والاكثر استغرابا ان احدا من النواب لم يعترض، وهذا ما يدل على ان جميع هؤلاء النواب يفكرون بنفس الطريقة. ويضيف: بالتالي هذه الذهنية هي السائدة لدى السياسيين – وليس حصرا لدى باسيل- وتؤدي الى افقار الشعب اكثر فاكثر، في حين ان المطلوب اليوم وزراء لا مرجعيات لهم بل اختصاصيين يعملون معا كفريق.
وعما اذا كان التغيير يمكن ان يأتي من خلال الانتخابات؟ يتحدث حبيقة عن امرين قد يدفعا الى التغيير:
اولا: ان يشعر اللبناني اكثر بالوجع، وهذا لا بد من ان يظهر في اواخر الصيف الجاري، اي مع بدء الدخول الى المدارس والجامعات ورفع الدعم على ما تبقى من سلع، وعندها اللبناني قد يثور دون ان يعرف الى اين سيصل وما هي الاهداف… وبالتالي قد نصل الى مرحلة يشعر فيها كل لبناني انه لم يعد لديه ما يخسره…
ثانيا: اذا حصلت الانتخابات يجب انتخاب “الثوار”، او جهة ثالثة بمعنى ليس الاطراف التقليدية التي لطالما تنافست على الانتخابات (المعارضة والسلطة الحاليتان)، ولكن هذا الامر يتوقف على ان تتفق المجموعات -التي تشكل الجهة الثالثة – في ما بينها على تشكيل لائحة واحدة وبرنامج واحد، وهذا ما لا اراه راهنا موجودا، من خلال عدد كبير من “الجمعيات” التي لا ادري الى اي مدى هي صادقة مع نفسها ومع الناس.
هنا، ابدى حبيقة خشيته من ان تؤدي الانتخابات الى انتاج نفس السلطة، فالناس “متضعضعة” وليس لدى “الجمعيات” خيارات واضحة، لا بل الانانيات ما زالت هي الطاغية، فهل يمكن لمن يمثلون الثورة او الانتفاضة الاتفاق على لائحة من 8 مرشحين لانتخابات دائرة معينة على سبيل المثال؟! فهذا شبه مستحيل الا اذا كان التوجه الى مرشحين من خارج اطار الاطراف التقلدية بشكل عشوائي.
وخلص الى القول: لذلك أرى أن التغيير ما زال بعيداً!