بعد طول انتظار أطلق مصرف لبنان المنصّة الإلكترونية المعروفة بمنصّة Sayrafa أمس الإثنين في 17 أيار، دون أن يترافق ذلك مع بيان رسمي من مصرف لبنان يعلن إطلاقها. في الساعات الأولى لولادة المنصّة الجديدة، بدا الأمر مربكًا للمصارف والصرّافين في آن، عشرات الإتصالات من قبل تجّار يسألون عن المنصّة، ولكن لا جواب من المصارف حيال آلية عملها، على رغم خضوع مندوبين من المصارف والصرّافين لدورة تدريبية، أجراها المصرف المركزي في نيسان الماضي، حول تقنيات المنصة وآلية عملها.
هذا الإرباك طبيعي، تقول مصادر مالية “إذ أنّ ربط العاملين بالشبكة من مصارف وصرّافين يستغرق بضعة أيام، لكن الإستعدادات اللوجستية والبشرية اكتملت، وسيتم العمل بها تدريجيًّا”.
مصادر مصرفية لفتت عبر لـ “لبنان 24” إلى أنّ إطلاق المنصّة في يومها الأول لم يترافق مع بدء العمل بها فعليًّا في المصارف “معالمها لم تتبلور بعد بالنسبة لنا، والمعضلة الكبرى تكمن في تأمين الدولار للتدوال به في المنصّة بيعًا وشراءً، علمًا أنّ الإتجاه سيكون لشراء الدولار وليس لبيعه على الأقل في الفترة الأولى، فمن أين سيتأمّن الدولار؟” تسأل المصادر المصرفية.
المصارف لن تدفع دولار لتغذية المنصّة
تمويل المنصّة ورفدها بالدولار هو بيت القصيد، لذلك تتعامل معها المصارف بحذر “منذ البداية لم تكن متحمّسة لها” تقول مصادر مالية، ولكنّها تجد نفسها أمام أمر واقع، وبأيّ حال المصارف لن تموّل المنصّة من زيادة رأس المال الذي حقّقته تطبيقًا لمندرجات التعميم 154 يوضح الخبير الإقتصادي الدكتور باسم البوّاب في حديث لـ “لبنان 24” بل ستستخدم هذا المال لإعادة تكوين حساباتها لدى المصارف المراسلة ولتمويل القروض في المرحلة اللاحقة “المصارف لن تدفع دولار لتغذية المنصّة، بل ستلعب دور الصرّافين، وبالتالي مصرف لبنان هو المموّل الوحيد، ويقع على عاتقه تغذية المنصّة بكمية كبيرة من الدولارات قد تتراوح بين 5 و10 مليون دولار يوميًّا من احتياطه، خصوصًا في الأيام الأولى لانطلاقتها لضرورة “التقليعة”، بعدها يمكن أن تموّل نفسها”.
سعر دولار المنصّة
سعر صرف دولار المنصّة لم يحدّده مصرف لبنان في أي من تعاميمه وبياناته المتعلقة بالمنصّة، باستثناء ما قاله وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني بأنّ سعر المنصّة بحدود عشرة الآف ليرة، ليتبين أنّ هذا السعر غير مؤكّد، في حين حدّد المركزي هامش الربح للمصارف والصرّافين من التداول بالدولار بما لا يتجاوز 1%. “لكي تجذب المنصّة عارضي الدولار يجب أن يكون سعرها مماثلًا أو متقاربًا لسعر السوق الموازية، وإلّا يلجأ من يريد بيع الدولار إلى سوق الصرّافين خارجها، وكذلك حال الشراء. ولكي يتمكّن مصرف لبنان من جذب الفريقين إلى منصّته، عليه أن يرفد المنصّة بالدولار ويحدّد سعرًا، كأن يقول لدينا دولار بـ 11 ألفًا على سبيل المثال، في هذه الحال يصبح الصرّافون في السوق الموازية ملزمين بالسعر نفسه للتدوال، ولكن بطبيعة الحال هذه المعادلة ستجعل المركزي يخسر من احتياطه بالدولار، لكنّه بالمقابل يخفف الدعم تدريجيًّا بهذه الطريقة” يقول البوّاب.
عن فعاليّة المنصّة في لجم بورصة الدولار صعودًا يجيب البواب “لا أتوقع نجاحها في هذا الصدد، إلّا إذا ضخ مصرف لبنان مبالغ كبيرة بالدولار وهو أمر غير ممكن في المرحلة الراهنة، من هنا قد تُظهر المنصّة فعالية فتنجح بخفض سعر صرف الدولار لأيام معدودة وبأعداد ومبالغ محدودة، كما أنّ عامل السياحة سيدخل دولار إلى لبنان خصوصًا مع تراجع وباء كورونا، ولكن تبقى السيطرة للسوق الموازية، كون المنصّة لن تكون قادرة على تأمين كامل الطلب على الدولار، الأمر الذي سيفرض سوقين موازيين، سوق في المصرف والسوق الموازي المعهود ولكن بسعر متقارب”.
هدف آخر للمنصّة يكمن في إقفال الباب أمام المضاربات ولكن الأمر بنظر البوّاب يعتمد على شفافية الصرافين في التصريح، خصوصًا أنّ هؤلاء قد لا يصرّحون عن كلّ العمليات خصوصًا تلك المشبوهة والمتعلقة بتبييض الأموال، فهؤلاء لن يكشفوا هوياتهم بالذهاب إلى المنصّة والمصارف، وستتم عملياتهم خارجها”.
واقع آخر من شأنه أن يخفض سقوف الآمال بنجاح المنصّة، وهو أنّ الطلب يفوق العرض بكثير، والسعر سيتحدّد بالتالي وفق معادلة العرض والطلب، يوضح البوّاب، لاسيّما وأنّ مصرف لبنان افتقد إمكانية التدخل في السوق بشكل فاعل كما كان يحصل سابقًا، عندما حافظ على الدولار بسقف 1500 ليرة مدة ثلاثين عامًا، بحيث كان يمتلك ما بين 50 و 60 مليار دولار، وكان قادرًا على الضخّ ساعة يشاء، بينما اليوم لا يملك أكثر من ملياري دولار خارج الإحتياطي الإلزامي.
يبقى أنّ الحل لأزمة الدولار وغيرها من الأزمات الإقتصادية والمعيشية هو بمنصّة سياسية وليست مصرفية “فالأزمة في لبنان سياسية وتنسحب على الشأنين المالي والإقتصادي، هناك ضغوط سياسية خارجية تمارس على لبنان وليست اقتصادية فقط، من هنا لن نتجاوز المحنة إلّا بتأليف حكومة تحظى بثقة العالمين العربي والدولي، كي تبدأ بعدها مرحلة دعمها بضخ أموال وتدفقات خارجية”.