الرئيسية - أخبار محلية و دولية - عروض الكهرباء الايرانية للبنان: حيث لا يجرؤ أحد!

عروض الكهرباء الايرانية للبنان: حيث لا يجرؤ أحد!


سبعة عروض إيرانية تمّ رفضها برعاية المناكفات السياسية اللبنانية التي ما تزال تمعن في تعطيل أيّ محاولات ومبادرات لتحسين واقع الكهرباء المزري، والذي يزداد سوءًا مع الوقت. خاصّة في ظلّ أزمة اقتصادية جامحة قلبت الكيان اللبناني والساحة الداخلية، وأفردت حياة مجتمعية جديدة وصعبة ينوء تحت ثقلها الشعب اللبناني.

تتزاحم الأزمات على كاهل المواطن الذي بات يطمح فقط لأن يخرج من دوامة “تك الديجنتير”، “دولة أو اشتراك”.. وغيرها العشرات من المصطلحات الشعبية اللصيقة بحياة اللبناني الذي تتقاذفه الهموم الاقتصادية، فضلًا عن جائحة كورونا وما أفردته على الحياة المجتمعية من نظام جديد أنهك كاهل الشعب برمّته.

تاريخ العروض الإيرانية

منذ سنة 2006 وحتى العام المنصرم، تكرر طهران إيجابياتها، بغض النظر عن الموقف اللبناني. مجموعة مبادرات جديّة تتكرر من الطرف الإيراني مع اختلاف التفاصيل الداخلية، وكل مرّة هناك من يعرقل كل محاولة لتبني أيّ من المبادرات ووضعها على سكّة التنفيذ.

العرض الأخير كان عام 2020، خلال زيارة رسمية لرئيس مجلس الشورى الإسلامي في إيران علي لاريجاني إلى لبنان ، حيث جدّد في لقاءاته التي عقدها مع المسؤولين اللبنانيين، لا سيّما مع الرؤساء الثلاثة استعداد إيران لمدّ يد العون للبنان في مجالات اقتصادية عديدة.

تحدث لاريجاني عن استعداد بلاده لتحسين ملف الكهرباء عبر تنفيذ معامل انتاج كهرباء بمواصفات مميزة واستثنائية تناسب الجغرافيا اللبنانية، كذلك تأسيس معامل أدوية، أو رفد لبنان بالأدوية الإيرانيّة، وتزويده بالمشتقات النفطية المتنوعة بأسعار مدروسة وجودة عالية، وغيرها من التفاصيل في مجالات أخرى. وتمتاز ايران بأنها تنتج التيار الكهربائي، بعدما استحصلت على ميزات انتاج المعامل من كوريا الجنوبيّة سابقًا، وقدمت كل الاستعدادات لنقل تجربة إيران الى لبنان وتعميم الفائدة في هذا المجال.

تمّ رفض العرض الإيراني بطبيعة الحال بسبب المخاوف من احتمال أن تقوم الولايات المتحدة بفرض عقوبات على قطاعات مصرفيّة واقتصاديّة لبنانيّة.

مصادر متابعة للملف تؤكّد المؤكّد

مصادر سياسية مطّلعة على تفاصيل الملف أكّدت لموقع “العهد” الإخباري أنّ العروض التي أتى بها السياسيون الإيرانيون على مدى أعوام كانت جديّة وتحمل مشاريع كبيرة كفيلة بتحسين واقع الكهرباء. حيث إنّ المعامل التي كان مقررًا إنشاؤها تمتلك مواصفات عالمية في الجودة من حيث الإنتاجية وبتكلفة مدروسة جدًا تراعي الوضع الاقتصادي اللبناني. وكمرحلة أولى كانت هذه المعامل على استعداد لإنتاج حوالي 1000 ميغاوات سنويًا على أن تزيد كمية الإنتاج مع مرور السنوات. ومن هذه الشركات التي كانت مستعدّة لتشغيل المعامل، شركة “سيمنس”، وشركة “مبنا” التي لها تجارب رائدة وأساسية جدًا في تشغيل أهم المعامل. فهي صاحبة تجربة عريقة في هذا المجال، وهناك نماذج ناجحة، سواء في إيران أو أفغانستان أو العراق أو سوريا (بنت الشركة محطات وصل إنتاجها الى عتبة الثلاثين ألف ميغاوات).

وبحسب مصادر “العهد” فإن الأمر وصل إلى حدّ أنّ الايرانيين فاتحوا بعض اللبنانيين في بعض المراحل أنهم مستعدون ليس للقبول بسعر الكلفة، بل الى أكثر من ذلك، وصولًا الى تقديم نوع من الهبة، في محاولة لإبراز حسن النوايا والحرص الذي تبديه إيران تجاه لبنان.

وتوضح مصادر قريبة من السفارة الايرانية في بيروت لـ”العهد” أنّ هذه المبادرات دائمًا ما كانت تصطدم بحائط التجاذبات السياسية التي كانت تعمد إلى تعطيل أي خطوة. وتؤكّد أنّ الزيارة الأخيرة للاريجاني أتت في ظروف حساسة جدًا بالنسبة الى لبنان من كلّ النواحي، حيث لم تستطع حكومة الرئيس حسّان دياب أن تتحدّى “الفيتو” الغربي وتحديدًا الأميركي، والخليجي، وانعكس ذلك رفضًا مُطلقًا لأي عرض إيراني مهما بلغَ حجمه أو فائدته، مع الإصرار على حصر قبول المساعدات من جهات مُحددة، وإبقاء لبنان تحتَ وصاية الغرب. بمعنى آخر، فإنّ الحكومة اللبنانية والمسؤولين اللبنانيين كانوا في موقع “اختبار الجرأة” لاتخاذ قرار بقبول العرض الإيراني من دون التنسيق مع الغرب.

عرض العام 2010

وفي حديث لموقع “العهد” الإخباري يوضح عضو كتلة الوفاء للمقاومة الحاج محمد فنيش أنّه عندما تولّى الرئيس سعد الحريري رئاسة الحكومة والوزير جبران باسيل وزارة الطاقة في العام 2010، طرح الإيرانيون على الحكومة اللبنانية، عرضًا لا يمكن مقاومته: “نحن مستعدون لتأمين نحو ألف ميغاوات لسدّ كل احتياجات لبنان البالغة حوالي 2500 ميغاوات” (يؤمن منها حاليًا حوالي 1500 ميغاوات). فكان ترحيب لبناني تم التعبير عنه خلال زيارات مسؤولين لبنانيين إلى طهران وأبرزهم الحريري وباسيل. فالإيرانيون عرضوا عبر شركة “مبنا” الإيرانية الخاصة المشهورة ببناء محطات توليد الطاقة الكهربائية وذات الصيت العالمي، بناء محطتي إنتاج في دير عمار (في الشمال) والزهراني (في الجنوب)، بناء على دراسات جاهزة قدمها الجانب اللبناني، تنتج كل واحدة منهما 484 ميغاوات (الإجمالي يكون 968 ميغاوات)، على أن يبدأ التنفيذ من لحظة التوقيع، وخلال 12 شهراً يسلم الإيرانيون المحطة الأولى، و24 شهرًا المحطة الثانية، مع فترة سماح لا تتجاوز أربعة أشهر، تحسبًا لأي أمر طارئ عند أيّ من الجانبين، مع ترك القرار للحكومة اللبنانية أن تختار الأماكن، وأن تحدد طريقة الدفع، سواء عبر قرض ميسّر (فائدة بسيطة جدا)، يتضمن فترة سماح أو بطريقة الـ (B O T)، أي أن يستثمر القطاع الخاص بعد الترخيص له من الجهة الحكومية المختصة، وهو يتولّى الدفع والتحصيل، وعندما يسدد السعر، تصبح المحطات ملك الدولة.

لم يكتف الايرانيون بذلك، بل أبدوا عند التوقيع استعدادهم لتجاوز الروتين الإداري والقانوني في لبنان، عبر الإيعاز للشركة الايرانية بأن تباشر العمل فورًا من أجل كسب عامل الوقت، لكن الجانب اللبناني رد طالبًا التريث حتى إنجاز الصيغة القانونية. وبطبيعة الحال دخلت المناكفات السياسية لإيقاف عجلة العرض “المغري” والقضاء على آمال كبيرة.

ولو أنّ الطرف اللبناني قَبٍل بالعرض الإيراني في وقتها، لكان أحد اهم مزاريب الهدر في لبنان قد أقفل، ومع الوقت والعمل والجهد لكانت حظوظ لبنان بامتلاك كهرباء 24/24 واردة جدًا. ولكن المناكفات السياسية والافتقاد الى الجرأة والارادة، أبقيا اللبنانيين رهينة العتمة..

– العهد الإخباري