ما شهدناه في الـ 24 ساعة الماضية لم يشهده أي بلد آخر، حتى في جمهورية الموز. ما أتحفتنا به القاضية غادة عون من تصرفات “صبيانية” لم نرَ مثيلًا له حتى في مجاهل أفريقيا، يوم كانت القبائل تأكل لحوم أخصامها.
إنه الإنهيار بحدّ ذاته بكل معانيه وجوانبه. والأنكى من هذه التصرفات، التي تذكرّنا بلعبة “الغميضة”، أن رئيس الجمهورية “الجنرال” ميشال عون لا يزال يعتقد أنه قادر على إصلاح الأمور في ما تبقّى له من عهده، بعدما أنتهى هذا العهد معنويًا قبل أن ينتهي زمنيًا.
فبعدما ضربت القاضية عون بالقرارات التي إتخذت بحقها بعرض الحائط رابضت في مكاتب “مكتف للصيرفة”، في ما يشبه “الإحتلال” الموصوف، وأصرّت عى البقاء حيث حاولت إفتعال بطولات وهمية على حساب القانون، الذي لم يعد يعني شيئًا بالنسبة إلى بعض الجهات التي توحي تصرفاتها بأنها غير مدركة لما سينتج عن هذه الحركات المجردّة من أي فقه للقانون.
والأنكى أن بعض المسؤولين حاولوا تغطية تصرفات هذه القاضية المشهود لها بإنحيازها وتصرفاتها الإنتقائية. إتصلوا بها لطمأنتها ولكي يُقال لها إن ما تفعله هو عين العقل والصواب، وهي محّقة في ما تقوم به من إجراءات، فيما الآخرون على خطأ ويريدون بالتالي تغطية الفساد بالفساد.
هذه هي جمهورية الموز بنسختها اللبنانية. فبعدما إنقرضت تلك الجمهورية ولم يبق منها سوى الإسم نرى البعض ممن لا يزالون يعيشون في الماضي ومأسورين ببعض الألقاب التي تذكرّ الجميع بما حفلت به تلك الألقاب من مآسٍ وويلات، مأخوذين بها ويحاولون في كل مرّة تذكيرنا بها، أو بالأحرى تخويفنا بها.
بالفعل والحقيقة أننا نعيش في جمهورية الموز، حيث لا رقيب ولا حسيب على تصرفات المسؤولين، سواء أكانوا على رأس السلطة أو في أي مواقع أخرى، ومن بينها مواقع قضائية. والأنكى من كل ذلك أننا لا نزال نسمعهم يردّدون أنهم يريدون محاربة الفساد، بدءًا من القضاء، الذي أثبت معظمه أنه غير خاضع للمساومات وغير قابل للدخول في الصفقات، وهو “يقاتل” حتى يكون الجسم القضائي منزّهًا وقويمًا وغير طيّع. وقد تكون تجربة مجلس القضاء الأعلى خير دليل، وهو حتمًا سيثبت أنه على قدر عال من المسؤولية عندما سيتخذ القرار المناسب في حق القاضية عون، أو اي قاضٍ آخر يحاول أن يمرّر في السياسة ما لا يمرّر في القضاء.
كان يٌقال إن الذين إستحوا ماتوا. أمّا اليوم فيُقال أن الذين لا يزالون على قيد الحياة في “جمهورية الموز” هم أحياء فقط من قلّة الموت.
أمام هول ما حصل بالأمس، وأمام هذا الحجم الهائل من الفضائح لم يبق أمام المسؤولين سوى الإعتذار من الشعب وتقديم إستقالاتهم، لأنهم لم يحسنوا حتى إدارة شؤون “جمهورية الموز”.
المصدر: خاص لبنان24