منذ أيام تتحرّك بورصة الدولار في السوق الموازية بهامش ضيق، ويسجّل تراجعات طفيفة، وصلت إلى 11550 ليرة، وذلك بعد قفزه إلى مستويات قياسية تجاوزت عتبة الـ 15 ألف ليرة قبل أسبوعين. هل سيستكمل الدولار مساره الإنحداري في الأيام المقبلة أم سيعود إلى التحليق مجدّدًا؟ وهل أسباب انخفاضه النسبي عائدة إلى الحراك الحكومي والحديث عن تفعيل الجهود في إطار تسوية محلّية دوليّة؟
المؤشرات الماليّة والإقتصاديّة لم تتحسّن لتفرض تراجعًا في السعر، خصوصًا أنّ الحديث عن قرب رفع الدعم من شأنه أن يلهب جبهة الدولار. لكن ما يحصل فعليًّا في السوق الموازية، وفق مقاربة الخبير في الشؤون الإقتصادية والسياسية الدكتور بلال علامة، هو عملية استعمال للسيولة بالليرة عبر تحويلها إلى دولار، من قبل التجّار المستوردين والعاملين في قطاع المحروقات فضلًا عن المضاربات” إذ أنّ حجم السيولة بالليرة اللبنانية استُهلك بنهاية الشهر، بما فيها الرواتب ، خصوصًا أنّ المصارف لا زالت تحدّد سقوفًا للسحب بالليرة شهريًا ، من هنا لاحظنا أنّ الدولار بدأ يهدأ منذ منتصف آذار، واستمر على هذا الحال حتّى نهاية الشهر. وكانت المراهنة أنّ الضغط في السوق سيعود ببداية الشهر الحالي، على أثر فتح باب السحوبات بالليرة من جديد ودفع المستحقات، ما يفرض زيادة في الطلب وارتفاعًا بسعر الصرف. لم يرتفع الدولار مع تحريك الطلب، والسبب يكمن بظهور مبادرات حكومية تجسّدت في بادىء الأمر بتسوية أشار إليها رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، ثم الرئيس نبيه بري من خلال مبادرته، ولاحقًا الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير المناقض للسابق في الشق الحكومي، فاتضح أنّ هناك ضغوطًا على الصعيدين الداخلي والخارجي لتأليف الحكومة، الأمر الذي دفع بالتجّار إلى التمهل، كذلك حال الآخرين الذين أحجموا عن تحويل ما لديهم من سيولة إلى دولار، علّ المساعي الحكومية تنجح وينخفض سعر الصرف أكثر”.
يكشف علامة في حديث لـ “لبنان 24” عن سبب إضافي ساهم بعدم ارتفاع سعر الصرف، يكمن بتخفيف مهرّبي الدولار إلى الخارج من حجم نشاطهم، نتيجة الملاحقات الأمنية من جهة، وتواصل سياسي من جهة ثانية، أثمر تقلّصًا في وتيرة التهريب إلى أسواق أخرى.
أضاف علامة “هناك مؤشّر آخر رصدناه قبل يومين، أنّ بعض المصارف أرسلت إلى عملائها، رسائل حول إعادة إمكان استعمال بطاقاتهم الإئتمانية للشراء بالدولار من الخارج بسقف 20 $ شهريًا، علمًا أنّ هذه الخدمة كان قد تمّ إيقافها بالكامل. بصرف النظر عن قيمة المبلغ، ولكنّه مؤشر حيال إعادة فتح المجال أمام القليل من التحويلات، وقد تكون هذه الخطوة ذات صلة بالتعميم رقم 154 لجهة إعادة تكوين أرصدة المصارف بالدولار في الخارج بنسبة 3%، بحيت كونوا أرصدة لدى المصارف المراسلة”.
سعر نفسي
يلفت علامة إلى أنّ الدولار لم يهبط بالمعنى الحقيقي، فبعدما تجاوز الـ 15 ألف ليرة، انخفض ليتراوح ما بين 13500- 13700 ثم استقر على هذا الهامش لمدّة أسبوع، وبنتيجة الأجواء السياسية التي حرّكت الركود الحكومي وانكفاء الطلب انخفض إلى 11500، ولكن هذا الإنخفاض لم يُترجم في السوق، بمعنى أنّ الصرّافين لا يبيعوا دولار على السعر المعلن، وكأنّ السعر الحالي هو سعر سياسي ونفسي أكثر منه حقيقي.
تأثير رفع الدعم على بورصة الدولار
في الغضون برز تحذير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من أنّ الدعم شارف على نهايته، وفي الاجتماع الذي عقدته اللجنة الوزارية لترشيد الدعم، كان حازمًا بالتأكيد أنّه لن يستطيع الاستمرار في تأمين الدولارات المطلوبة لدعم استيراد السلع الأساسية، لأكثر من شهرين كحدّ أقصى. بدوره أكد وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني، أنّ المال المخصّص لتمويل الواردات الأساسية سينفد بحلول نهاية أيار المقبل، أي بعد أقل من شهرين “وصول آليات الدعم إلى خواتيمها سيضع الدولار بسقوفات عالية جدًا” يلفت علامة ” فعندما يصبح قرار رفع الدعم علنيًّا ورسميًّا، سيلجأ التجّار إلى السوق الموازية لتأمين حاجتهم من الدولار للإستيراد، الأمر الذي من شأنه أن يرفع الطلب بشكل كبير، ليرتفع الدولار إلى سقوف كبيرة”.
الخطورة تكمن بفشل التسوية الحكومية بالتوازي مع رفع الدعم، هذا السيناريو سيكون أكثر من كارثي، بحيث لا يمكن لأحد توقّع المستويات الخيالية للدولار ومعه أسعار المواد الإستهلاكية. فهل ينقذ معطّلو تأليف الحكومة البلد من انفجار اجتماعي وشيك بتراجعهم عن حصصهم المقيتة؟